تفسير سورة محمد في القرآن الكريم

مصير المؤمنين والكافرين

عند دراسة الآيات 1-8 و12-15 من السورة المباركة بموضوعية، يمكننا أن نستنبط من خلالها مشهدًا يتناول مصير المؤمنين ومقابله لمصير الكافرين. نستطيع تلخيص هذه النقاط بما يلي:

مصير المؤمنين

تناولت الآيات الكريمة مصير المؤمنين وجزائهم، ومن أبرز ما جاء فيها:

  • مسح السيئات، وعدم معاقبتهم عليها، وذلك كرمًا ومنة من الله -عز وجل-.
  • تحسين أحوالهم وتيسير التوبة لهم في الدنيا، ومنحهم المثوبة في الآخرة، حيث يتمتعون براحة البال وطمأنينة النفس ورضا القلب، نتيجة إيمانهم واتباعهم للحق الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • أجور جهادهم وتعبهم في سبيل الله، حيث إن شهادتهم لن تذهب سدى بل سيكون لهم أعظم الأجر.
  • دخول الجنة، حيث تُعرَّف لهم وكأنهم عاشوا فيها منذ وقت طويل.
  • تحقيق النصر على أعدائهم.
  • من صفات الجنة التي سينعم بها المؤمنون أنها تحتوي على أنهار متعددة؛ منها ماء طاهر لذيذ، ولبن لم يتغير طعمه، وخمر لا يذهب بالعقل، وعسل صافٍ خالٍ من الشوائب.

مصير الكافرين

تناولت الآيات الكريمة مصير الكافرين وجزائهم، ومن ذلك:

  • إحباط أعمال الخير التي يقومون بها مثل الإحسان إلى الفقراء ومساعدة المحتاجين، وذلك لأنها لا تُعتبر إيمانًا بالله -عز وجل- بل تقابل بكفر بالله وصد عن الدين الحق.
  • يفسر بعضهم أن إبطال أعمالهم يأتي كإفشال للكيد الذي يحاولون القيام به ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين.
  • الحزن الشديد، والهلاك، والهزيمة المحتومة.
  • سيكون مصيرهم النهائي في النار.
  • تصف النار التي سيدخلونها بأنها تحتوي على شراب حار أشد حرارة، يقدم لهم أدوات تعذيب وتصيب الأمعاء.

العبرة من الأمم السابقة

تدعو الآيات (10-11) قريشًا للاستفادة من مصائر الأمم السابقة مثل ثمود وقوم لوط وقوم شعيب وأهل السد وغيرهم، مبينة كيف دَمَّرهم الله -سبحانه وتعالى- وهدم بنيانهم، وتحذرهم من العواقب المترتبة على الكفر.

وصف حال المنافقين

تتناول المقاطع التالية من السورة الكريمة صفات المنافقين، وذلك في الآيات (16-24) و(25-29) و(30-32). نستعرض صفاتهم بالنقاط التالية:

  • الحضور لمجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- ودخول المسجد والاستماع إلى خطبه ومواعظه وأوامره ونواهيه بجانب المؤمنين.
  • عدم فهمهم لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمجرد مغادرتهم المجلس، ويستفسرون من علماء الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عما قيل، وقد يكون السؤال على سبيل الاستهزاء.
  • قلوبهم مغلقة عن قبول الحق، فلا يهتدون عندما يتلقون كلام الله.
  • اتباعهم للشهوات والأهواء، مما يجعلهم عبدة لأهوائهم.
  • خوفهم وجبنهم من القتال، إذ تعكس نظراتهم حالة من الفزع إذا سمعوا آيات تتحدث عن الحرب.
  • عدم استفادتهم مما يسمعون، كأنهم لا يسمعون أو يبصرون.
  • تعاونهم مع اليهود وتنسيق الجهود ضد المؤمنين.
  • إحباط أعمالهم.

دعوة المؤمنين للجهاد والإنفاق

تدعو الآيات الكريمة (35-38) المؤمنين للجهاد والإنفاق في سبيل الله، حيث تبدأ بالتوجيه للجهاد، وتحذرهم من الضعف أو الإحجام عن القتال. كما تؤكد أنه لا مانع من قبول الصلح إذا كان الطرف الآخر هم الكفار. كيف يمكن للمسلمين أن يطلبوا الصلح عندما يكون الله -سبحانه وتعالى- معهم؟ فمن كان الله في صفه، فلا محالة أن يكون النصر حليفه.

تشير الآيات إلى أن الحياة الدنيا لا تستحق أن يؤدي ضعف المسلم إلى التراجع عن القتال، إذ إنها ليست سوى فتنة. ثم تحثهم على الالتزام بالإيمان والتقوى للحصول على الأجر. ومن رحمة الله -سبحانه وتعالى- أنه لم يأمرهم بإخراج جميع أموالهم، وفي حال طلب ذلك، لبدت شح النفوس، ولكنه يأمر بإخراج جزء فقط للإنفاق على الفقراء والمساكين وغيرها من الأعمال الخيرية.

إخراج المال في الواقع هو فائدة لمن يُخرج، فهو الذي سيجمع الأجر الكبير. والله -سبحانه وتعالى- هو الغني، وعباده هم الفقراء إليه، وفي غناه دلالة على قدرته على استبدالهم بقوم آخرين لا يتأخرون عن أوامره.

Scroll to Top