تعريف الأسلوبية
الأسلوب هو شكل خاص من تفعيل اللغة، حيث يقدم مجموعة من الخيارات المتاحة ويعتمد على بعضها بينما يتم إرجاء الآخر. وبالتالي، فإن الخيارات التي يختارها كاتب أو متحدث ما هي التي تشكل أسلوبه الفريد، والذي يتأثر في كثير من الأحيان بدوافع وظروف معنية بالمقام أو الحالة.
عند إلقاء خطبة في مناسبة معينة، يمتلك المتحدث القدرة على استخدام أساليب تعبيرية متنوعة بغرض إيصال فكرته. فقد يختار الإسهاب في بعض الأحيان لتأكيد نقطة ما، بينما قد يختصر في أحيان أخرى، وقد يسترسل في التعبير أو يلجأ إلى الإيجاز، مما يتوافق مع طبيعة الموقف ومتطلباته.
جوهر الأسلوبية
تتطلب دراسة العمل الأدبي وتحليله لكشف خصائصه الفريدة التي تظهر في التوازن بين التعبير الجمالي والصياغة الأدبية، وهذا هو المجال الذي تستند إليه الأسلوبية بأدواتها المنهجية. وتنخرط الدراسات الأسلوبية ضمن شبكة معقدة من العلاقات المرتبطة بعدد من العوامل اللغوية والأدبية، وتشدد على أهمية طبيعة الأسلوب بحد ذاته، الذي يربط بين علم اللغة والأدب. وقد دعت المدارس الشكلانية إلى ضرورة دراسة لغة النص والتركيز على مسألة الأسلوب.
تاريخ الأسلوبية وتطورها
يعود الفضل في استخدام مصطلح “الأسلوبية” إلى “نوفاليس”، الذي رأى فيه تقاطعًا مع البلاغة. وقد أشار “هيلانغ” في عام 1837 إلى أن الأسلوبية تمثل علمًا بلاغيًا. وعند النظر إلى الأدبيات الأسلوبية باللغة اللاتينية، نجد أنها في مجملها ليست سوى عبارة عن قواعد وأمثلة، كما اعتبرها “فورسيستر” عام 1846.
مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح مصطلح الأسلوبية يشير إلى منهج تحليلي للأعمال الأدبية، حيث يُعرف الأسلوب بعد التقليدي من خلال التمييز بين محتوى النص وكيفية تقديمه. المحتوى، الذي يشمل المعلومات والرسالة والمعنى، يُعتبر جزءاً من النص، بينما يُنظر إلى الأسلوب على أنه التغييرات التي تطرأ على كيفية تقديم المعلومات، مما ينعكس على جمالية العمل ويؤثر في استجابة القارئ عاطفياً.
لم يظهر مصطلح “الأسلوبية” إلا في بداية القرن العشرين مع بروز الدراسات اللغوية الحديثة، ومن بينها ما قدمته مدرسة عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسير، التي شملت مجموعة من اللغويين الفرنسيين، والذين اعترضوا على اعتبار اللغة شيئًا ماديًا يخضع لقوانين ثابتة في العالم الطبيعي، بل اعتبروها نتاجًا إنسانيًا يتجلى في الروح البشرية.
الأسلوبية المعاصرة واللغة العربية
لا يُمكن إنكار أن الأسلوبية المعاصرة غالبًا ما تتقاطع مع نظرية النظم العربية التي وضع أصولها الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه القيم “دلائل الإعجاز”. عندما تناول عبد القاهر أفكاره حول النظم، كان يربط بين اختلاف الأسلوب وترتيب الكلام، مما يعكس ارتباط بعض الكلمات ببعض.
تتضح إسهامات عبد القاهر في مجالات متعددة مثل التقديم والتأخير، والذكر والحذف، والتعريف والتنكير، والإضمار والإظهار، والقصور والإيجاز، والتأكيد وعدمه، بالإضافة إلى استخدام التمثيل والاستعارة والكناية والتورية ومن ثم حسن التعليل. تمثل هذه النقاط إنجازات جديدة في البلاغة العربية، كما تسلط الضوء على الأسلوب بشكل يقترب من مفاهيم الأسلوبية السائدة في المدارس الغربية الحديثة.