الفونيم في علم اللسانيات
الفونيم هو مصطلح إنجليزي يُترجم إلى العربية بوصفه “الوحدة الصوتية”. نظرًا لتعدد التعريفات المتعلقة بالفونيم، حاول العلماء تصنيفها إلى أربعة اتجاهات رئيسية، وهي كما يلي:
- الاتجاه العقلي
يمثل هذا الاتجاه رأي المدرسة العقلية النفسية، حيث يعرف العلماء الفونيم على أنه مفهوم عقلي يتواجد في الذهن. يمتاز هذا الفونيم بطابع تجريدي يمكن للمتحدث استحضاره، وقد ينجح أو يفشل في ذلك. على سبيل المثال، يمكن استحضار صورة النون في كلمة “نحن” حيث تكون ذات مخرج أسناني لثوي. ولكن قد يكون من الصعب استحضار نفس الصيغة أو الشكل التجريدي بالنسبة للنون في كلمات مثل “ينفع” أو “ينبع”.
- الاتجاه المادي
أحد أبرز المشاركين في هذا الاتجاه هو دانيال جونز، الذي عرّف الفونيم بأنه مجموعة من الأصوات المترابطة في صفاتها في لغة معينة، تتمتع بخصائص متشابهة. يمكن لهذه الأصوات أن تُستخدم بشكل لا يسمح بتداخل أعضائها في كلماتٍ ذات سياق صوتي واحد. على سبيل المثال، في اللغة العربية، جميع الفتحات تنتمي إلى فونيم الفتحة الواحد، ولا يمكن لأي فتحة منها أن تُستبدل بالأخرى، كما هو الحال في الفتحة المفخمة في “ظَلَّ” والفتحة المرققة في “دَلَّ”.
- الاتجاه الوظيفي
يقود هذا الاتجاه العالم تروبتسكي ومدرسة براغ، حيث عُرِّف الفونيم بأنه أصغر وحدة مميزة للمعاني في الكلمات، ولا يمكن تقسيمها إلى مكونات صوتية أصغر من وجهة نظر لغوية. ويشير هذا التعريف أيضًا إلى أن الفونيمات تُعتبر عناصر ذات دلالة لا يمكن معرفتها إلا من خلال وظائفها ضمن تركيب كل لغة.
- الاتجاه التجريدي
يرتبط هذا الاتجاه بالعالم الأمريكي توادل، الذي عرّف الفونيم بأنه وحدة تجريدية خيالية مصطنعة، ولا توجد لها أي حقيقة مادية أو عقلية.
أنواع الفونيمات
قام العلماء بتصنيف الفونيمات إلى نوعين رئيسيين، وهما:
- الفونيمات التركيبية
تُعتبر هذه الفونيمات الأساسية، ويمكن تعريفها على أنها الوحدات الصوتية التي تشكل أجزاء من أبسط الصيغ اللغوية ذات المعنى في غياب السياق. كما أنها تمثل العناصر الأساسية التي تشكل الكلمات، كحروف التاء والعين والسين.
- الفونيمات فوق التركيبية
تشير هذه الفونيمات إلى الصفات أو الظواهر الصوتية التي تحمل معنى داخل الكلام المتصل، ومن أمثلتها ظواهر مثل النبر والتنغيم.
فكرة الفونيم في اللسانيات
لقد اعتبر علماء اللغة أن فكرة الفونيم ليست مسألة جديدة، بل هي أساسية جداً وتعود إلى زمن بعيد، يرتبط بصورة مباشرة بنشوء اللغة. فهذه الفكرة ترتبط بالتحول الذي قام به الإنسان من التصوير إلى استخدام الأبجدية، حيث كان تمثيل الأصوات يمثل تصورات ذهنية.
كما أن البحوث المعاصرة توصلت إلى دعم هذه الفكرة من خلال تقديم الأدلة التي تشير إلى أن الحروف الأبجدية ليست مجرد تمثيلات صوتية أو كتابية، بل تمثل أفكاراً عقلية أيضاً.
الفونيم والأبجدية العربية
تُعتبر الأبجدية العربية من الأبجديات العملية جداً، حيث يمثل كل رمز من رموزها فونيم مستقل بغض النظر عن الأصوات المختلفة. فمثلاً، الباء والتاء والكاف والسين كلها تمثل فونيمات مستقلة.
تشمل الحركات أيضاً رموزاً تعبر عن فونيمات، فالفتحة والضمة والكسرة تمثل كل منها فونيمات في حالة الحركات القصيرة. أما الحركات الطويلة، التي تتجلى في حروف المد مثل الألف والواو والياء، فهي فونيمات مستقلة أيضاً.
فونيم التنغيم في اللغة العربية
التنغيم يمثل الطرق المتعددة لنطق نفس الجملة، مما قد يغير من معناها بناءً على نبرة الصوت. يمكن القول باختصار إنه “موسيقى الكلام”. فطريقة نطق جملة كـ”حسنًا، كما تشاء” قد تتأثر بمعناها، حيث يمكن أن تحمَل معنى السخرية أو الموافقة بحسب نبرة القائل.
يجدر بالذكر أن التنغيم ليس فونيم مؤثر في جميع اللغات البشرية، ولكنه هو كذلك في بعض اللغات، بما في ذلك العربية. وقد تم الإشارة مسبقاً إلى أن فونيم التنغيم يُعتبر مثالاً على الفونيمات فوق التركيبية. وقد أدرك العرب في ثقافتهم وكتبهم أهمية اللحن والموسيقى في الحديث.
تجلت هذه الإدراكات في صناعة الشعر، حيث أضافوا التلوينات الموسيقية التي تجعل القصائد أكثر جاذبية للسامع. وبالتالي، ساعد التنغيم الصوتي في تعويض أي نقص في المعنى، مما أضفى طابعاً حيوياً على الكلمات. وقد أشار كتّاب قدامى مثل ابن جني إلى أهمية التنغيم في الشعر العربي.