تعريف البلاغة في التراث العربي القديم

تعريف البلاغة وفقاً للكتب القديمة

ترد البلاغة في قواميس اللغة كمصدر مشتق من الجذر الثلاثي للفعل “بلغ”، مما يعني الوصول إلى الشيء وتحقيق ما يُراد منه. كما تشير إلى استخدام لغة تتميز بالفصاحة، تتناسب مع الحالة الراهنة. ووفقاً للاصطلاح، ترتبط البلاغة ارتباطاً وثيقاً بالكلام، حيث تُعرَف بأنها توافق الكلام لمقتضيات الحال، مع فصاحة ألفاظه سواء كانت مفردة أو مركبة.

الأطر المعرفية لمفهوم البلاغة عند العرب

في القرنين الثاني والثالث الهجريين، شهدت الساحة الثقافية جهوداً بحثية مكثفة من قبل العلماء الذين أسسوا للدرس البلاغي، مع تحديد مقاييسه ومبادئه. ومن أبرز هؤلاء العلماء:

  • أبو عبيدة معمر بن المثنى

حيث ألف كتاباً في علم البيان بعنوان “مجاز القرآن”، وارتبطت البلاغة لديه بفكرة المجاز، والتي تتضمن جمع الألفاظ بمعاني غير دلالاتها الأصلية.

  • أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل

في كتابه “البديع”، الذي يُعتبر الأول في تخصيص البلاغة كعلم مستقل، حيث جمع فيه 17 نوعاً من البديع، وبالتالي ارتبطت البلاغة لديه بمفهوم البديع.

  • عبد الله ابن المقفع

عندما سُئل عن البلاغة، قال إنها “اسمٌ جامعٌ لمعانٍ تتجلى في أشكال متعددة: منها السكوت والاستماع، الإشارة والاحتجاج، بالإضافة إلى الشعر، السجع والخطب، وأيضاً الرسائل”. وبهذا، فإنّ معظم الأشكال البلاغية ترتكز على الوحي والإشارة إلى المعنى والإيجاز.

  • أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

في كتابه “البيان والتبيين” خصص فصلاً للبلاغة، حيث تناول تعريفات متنوعة للبلاغة، من ضمنها تعريف العتباني الذي قال: “كل من أفهمك حاجته من دون حاجة إلى إعادة أو توقف أو مساعدة فهو بليغ”.

استمر اهتمام الباحثين في القرن الرابع الهجري بالدراسة البلاغية، حيث برز لفيف من العلماء الذين تناولوا البلاغة في مؤلفاتهم، مثل قدامة بن جعفر في “نقد الشعر”، وأبو الحسن علي بن عبد العزيز المعروف بالقاضي الجرجاني في “الوساطة بين المتنبي وخصومه”. وقد عرف العسكري البلاغة في “كتاب الصناعتين” بأنها “كل ما يُبلغ به المعنى إلى قلب السامع، بحيث يتمكن في نفسه كما يتمكن في نفسك، مع صورة مقبولة وشكل جميل”.

وفي القرن السادس الهجري، برز جار الله محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره المعروف بـ (الكشّاف) الذي احتوى على دراسات تطبيقية لمفاهيم بلاغية من استعارة ومجاز وتشبيه وكناية. لاحقاً، قام بتأليف كتاب آخر تحت عنوان (أساس البلاغة)، حيث أوضح فيه الاستخدامات الحقيقية لمواد اللغة العربية وتطور المعاني عبر المجاز.

استمر مفهوم البلاغة لفترات طويلة يحمل دلالة فن القول والكلام، حتى ظهر معناها العلمي الذي ابتعد عن إطار حسن القول وجمال الكلام، وذلك مع ظهور كتاب أبو يعقوب السكّاكي “مفتاح العلوم” في القرن السابع الهجري، حيث وضح فيه أسس البلاغة وموضوعاتها، عارفاً البلاغة بأنها “بلوغ المتكلم في إيصال المعاني بمستوى مخصص، يشمل توفيت الخصائص النحوية، وتقديم التشبيه والمجاز بالطريقة الصحيحة”.

تصنيفات البلاغة

قسم القزويني البلاغة إلى ثلاثة فروع رئيسية، وهي:

  • علم المعاني

علم يُعرَف به حالات اللفظ التي توافق مقتضيات الحال.

  • علم البيان

علم يُعرَف به إيصال المعاني بطرق متعددة مع وضوح دلالتها.

  • علم البديع

هو العلم الذي يختص بجوانب تحسين الكلام مع مراعاة توافقه مع مقتضيات الحال وفصاحته.

Scroll to Top