مفهوم علم الأصوات النطقي
علم الأصوات النطقي (ARTICULATORY PHONETICS)، المعروف أيضاً بعلم الأصوات الوظائفي أو الفيسيولوجي (PHYSIOLOGICAL PHONETICS)، يُعتبر أحد التخصصات الأساسية في علم الأصوات. يركز هذا العلم على دراسة حركات أعضاء النطق خلال إنتاج الأصوات، بالإضافة إلى كيفية إنتاج الأصوات البشرية.
مع تزايد الاهتمام بهذا المجال، ظهرت عدة فروع لدراسة علم الأصوات، منها علم الأصوات النطقي الذي يُعد من أقدم التخصصات في هذا المجال، وعلم الأصوات الفيزيائي الذي يتناول دراسة الأصوات أثناء انتقالها في الهواء، وعلم الأصوات السمعي الذي يدرس كيفية تلقي السامع للأصوات، وعلم الأصوات الإدراكي الذي يركز على إدراك السامع للصوت ومعناه، وأخيراً علم الأصوات الوظيفي الذي يهتم بدراسة الأصوات في سياقاتها الوظيفية ضمن الجمل.
التطور التاريخي لعلم الأصوات
لقد جذبت دراسة الأصوات البشرية انتباه العلماء منذ القدم، وقد ظهرت عدة محاولات لدراسة هذا المجال، ومن أبرز هذه المحاولات:
- تعد أقدم المحاولات المسجلة لدراسة الأصوات تعود إلى اليونان حيث قدم الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو العديد من الدراسات في كتاباتهم.
- تأثرت الدراسات الرومانية باليونانية، حيث كانت تركز على تأثير الصوت في السامع فقط.
- اهتمت الدراسات الهندية بدراسة الأصوات لأغراض دينية مختلفة.
- بلغت الدراسات العربية لعلم الأصوات مستوى متقدماً يعادل تلك الدراسات الصوتية العالمية.
- في العصور الحديثة، تم استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والوسائل لدراسة علم الأصوات بشكل أعمق.
علم الأصوات النطقي: مقارنة بين العصور القديمة والحديثة
على الرغم من أن مفهوم علم الأصوات النطقي (ARTICULATORY PHONETICS) لم يظهر كمصطلح إلا في الزمن الحديث، إلا أنه يمثل أحد نتاجات دراسة اللسانيات الحديثة التي أسس لها عالم اللغة فردينان دي سوسير. تلا ذلك جهود متواصلة أسهمت في تأسيس علم الأصوات كحقل مستقل يمتاز بتنوع فروعه وتخصصاته، وذلك بفضل مجموعة من العلماء الذين ساهموا في إثراء هذا الميدان بعد دي سوسير.
وعلى الرغم من حداثة المصطلح، فقد كانت تطبيقاته معروفة منذ القدم، حيث ركز العديد من العلماء العرب القدامى على دراسة هذا الفرع من علم الأصوات. ومن أبرز هؤلاء العلماء كان الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي قام بدراسة الأصوات العربية وطرق تشكيلها، بالإضافة إلى تحليل صفات الحروف، وهذان الجانبان هما محور اهتمام علم الأصوات النطقي.
أما ابن جني فقد ألف كتاباً حول تشكيل الأصوات وصفاتها بعنوان (سر صناعة الإعراب)، والذي يمكن اعتباره دليلاً على إدراكه لأهمية الأصوات بوصفها المكون الرئيسي للغة، وقد أطلق عليها هذا الاسم للدلالة على دورها الحاسم في تشكيل اللغة.
إذا انتقلنا من كتاب ابن جني، نجد أن هناك ثلاثة مجالات رئيسية لدراسة الأصوات؛ الأولى هي علوم اللغة مثل النحو والصرف، والمجال الثاني هو الفلسفة والمنطق والطب والموسيقى، بينما يركز المجال الثالث على علوم القراءات القرآنية والتجويد.