حكم النذر في العبادات
النذر هو التزام المسلم المكلّف بأداء عبادة لم يُفرض عليه شرعًا من خلال أي قول يُعتبر نذرًا صحيحًا. ينقسم النذر إلى نوعين: نذر في المباحات ونذر في العبادات. وقد تعددت آراء الفقهاء في حكم النذر المتعلق بالعبادات، ويمكن تلخيص هذه الآراء في قولين رئيسيين كما يلي:
القول الأول: إباحة النذر في العبادات
أجمعت كل من الحنفية والمالكية على إجازة النذر في العبادات، وفقًا للتفاصيل الآتية:
رأي الحنفية في إجازة النذر بالعبادات
يعتبر الحنفية أن النذر في العبادات مُباح، ويُعتبر وسيلة لتقرب المسلم إلى الله، سواء كان مشروطًا أو غير مشروط. على سبيل المثال، إذا قال الناذر: “لله علي حج”، أو “لله علي صوم ثلاثة أيام إن شفاني”، فإنه يجب عليه الوفاء بذلك. كما يشترط الحنفية كفارة عن النذر المعلق، سواء كان يشمل شيئًا مباحًا أو محرمًا.
يدل على ذلك قول النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَلَفَ على يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْر، وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ)، كما أضاف الحنفية أن النذر المبهم يجب أن يُحقق أدنى ما أمر به الشرع، فإذا قال الناذر: “لله علي نذر” وكان يقصد الإطعام، وجب عليه إطعام عشرة مساكين مثلاً.
رأي المالكية في إجازة النذر بالعبادات
اتفق المالكية مع الحنفية في إجازة النذر المطلق، الذي لا يُعلق على شرط، ويعتبر شكراً لله على نعمة، مثل أن يقول الناذر: “لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام” أو “لله علي أن أتصدق بمبلغ كذا”، فهذا يُعتبر مستحبًا إذا كان القصد النذر.
ومع ذلك، اختلف المالكية مع الحنفية حول النذر المعلق، فرجحوا القول بكراهيته أو بإباحته. كما رأوا أن النذر الذي يتكرر بتكرار الأيام مثل أن ينذر شخص أن يصوم كل خميس، يُعتبر مكروهًا، إضافةً إلى اختلافهم حول النذر المبهم، حيث اعتبروا الالتزام به.
القول الثاني: كراهة النذر في العبادات
توافق المذاهب الشافعية والحنبلية على أن النذر مكروه كراهةً تنزيهية، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (النَّذْرُ لا يُقَدِّمُ شيئًا وَلَا يُؤَخِّرُه، وَإنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ)، ويُفهم من هذا النهي أنه موجه للتنزيه وليس للتحريم.
مع ذلك، فمن نذر طاعة، يُلزم عليه الوفاء بنذره، استنادًا إلى الأدلة من القرآن والسنة، كما في قوله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم)، وأيضًا قول النبي: (مَن نَذَرَ أن يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْه، ومَن نَذَرَ أن يَعْصِيَه فلا يَعْصِهِ).
الوفاء بالنذر في العبادات عند الشافعية
فصل الشافعية بين ما يُلزم الوفاء به وما لا يلزم؛ فقد رأوا أن النذر المعلق يُلزم الوفاء، لأنه يتضمن القصد للتقرب إلى الله. مثلاً إذا قال الناذر: “لله علي نذر أن أتصدق بمبلغ كذا إن شفى الله مريضي”، فإنه يلزم الوفاء به. بينما لا يلزم الوفاء بنذر اللجاج أو نذر الغضب -وهو النذر المُنجز بدافع الغضب وليس بهدف التقرب- حيث يُمكن أن يقال مثل: “لله علي نذر أن لا أكلم فلانًا”، وفي هذه الحالة إن لم يُوفَ الناذر، فعليه كفارة يمين.
الوفاء بالنذر في العبادات عند الحنابلة
أما الحنابلة فقد اتفقوا مع الشافعية حول حكم نذر الغضب، ولكنهم أضافوا أن النذر الذي لم يُسم فيه المنذور يُلزم بنيّة الناذر. إذا قال: “لله علي نذر” وكان في نيته فعل طاعة معينة، فيلزم الوفاء به. كما أنهم اتفقوا بشأن النذر المعلق، ورأوا أنه لا يمكن أن يُجزأ منه كفارة، إلا إذا لم يكن في نية الناذر شيء، فإن الكفارة تُلزم عند تحقق شرط النذر.