مفهوم النقد
يُعرف النقد في اللغة بأنه تمييز بين الأموال الصرفية وكشف الزائف منها، ويشير أيضاً إلى فحص الشيء واكتشاف عيوبه. أما في الاصطلاح، فإن النقد يُعبر عن دراسة العمل الأدبي بشكل شامل بعد الانتهاء من كتابته؛ حيث يتضمن تقييم النص الأدبي تقييماً دقيقاً يعكس مواطن الجودة والضعف فيه، ويحدد قيمته ودرجته، مما يستدعي الحكم عليه وفقاً لمعايير محددة وتصنيفه إلى ما يشابهه في المستوى.
تختلف معايير وأحكام النقد باختلاف مجالاته؛ فالنقد الموجه للأدباء يختلف في طبيعته عن النقد الموجه للفقهاء، ونقد الأصوليين يختلف بدوره عن نقد المحدثين. على الرغم من هذا التنوع، يتشارك الجميع في تحليل الأثر الأدبي من حيث المضمون والشكل، ومن ثم الحكم عليه وتقييمه، ويشمل النقد مجالات الأدب، السياسة، الفلسفة، بالإضافة إلى مجالات أخرى. ومن الجدير بالذكر أن هناك مصطلحات شبه مشابهة للنقد مثل التقييم، والمناظرات، والمحاورات، والجدل، والمباحثة، ولكن كل مصطلح يمتلك ما يميزه من حيث الأسلوب والأحكام وأهدافه.
الفارق بين النقد البناء والنقد الهدام
قسّم الباحثون النقد إلى نوعين: نقد بناء يسعى الناقد من خلاله إلى تصحيح الأخطاء وإصلاحها بطريقة علمية بعيدة عن التعصب والأحكام المسبقة، ونقد هدام يتم فيه النقد بهدف النيل من الآخرين وتشويه سمعتهم بإبراز أخطائهم دون أي أدلة أو وقائع.
يتضح أن الناقد في النقد البناء يقدم نقداً متخصصاً يقوم على أساليب علمية في مجاله، بينما الناقد في النقد الهدام يفتقر إلى الإنصاف، وقد يهاجم الناس بسبب تعصبه لفكرة ما قد لا تكون في مجاله. كما أن النقد البناء يهدف إلى تحسين الأمور، حيث يسعى الناقد إلى تقديم نصائح للشخص المعني دون أن يقع في التجريح، بينما يسعى الناقد في النقد الهدام للانتصار بغض النظر عن صحة مزاعمه؛ إذ يلجأ الناقد هنا إلى الانتقام من الآخرين وكشف عيوبهم.
وعلى صعيد آخر، يعتبر الناقد في النقد البناء أن رأيه قابل للتقبل أو الرفض، بينما يرى الناقد في النقد الهدام أن رأيه هو الحقيقة المطلقة التي لا تقبل النقاش. يتجلى الفارق الثالث في كيفية تعامل الناقد البناء مع الآراء، حيث يرحب بجميع الآراء المطروحة، بينما النقد الهدم يركز على انتقاد الأشخاص بدلاً من مناقشة الأفكار. وأخيراً، الناقد في النقد البناء يميز بين الأفكار المختلفة ويتقبل الآراء الإيجابية حتى لو جاءت من نفس الشخص الذي انتقده، بينما النقد الهدام يرفض كل ما يأتي من الشخص المعني، بغض النظر عن قيمته.
مراحل العملية النقدية
يخضع النقد لسلسلة من الخطوات الضرورية، ويتضمن ثلاث مراحل رئيسية وهي:
- مرحلة التفسير: يتضمن هذه المرحلة توضيح محتوى النص والمعنى العام الذي يسعى الكاتب إلى توصيله للقراء.
- مرحلة التحليل: حيث يتم شرح الأسلوب الذي اتبعه الكاتب في تجسيد أفكاره ومشاعره.
- مرحلة التقييم: وهي المرحلة النهائية للعملية النقدية، حيث يتم تقييم العمل الأدبي سواء بالنجاح أو الفشل.
شروط الناقد
هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد، أبرزها:
- الموهبة النقدية: التي تمكّن الناقد من تقدير الأمور بشكل دقيق، وتفريق العمل الجيد عن الرديء.
- الأهلية العلمية والكفاءة: يجب على الناقد التخصص في نقد الأعمال في مجال معين، بالإضافة إلى امتلاكه ثقافة واسعة تؤهله للتعبير عن آرائه بثقة.
- العدالة والإنصاف: ينبغي على الناقد إصدار أحكام شفافة ونزيهة، بعيدة عن التعصب أو التحيز الشخصي، بحيث يعزز من أحكامه بأدلة علمية.
- التزام الأدب: يجب أن يبقى النقد بعيداً عن الإساءة للآخرين باستخدام ألفاظ غير مناسبة، ويجب توجيهه نحو الفكرة دون التعرض للمخالفين في الرأي.
مناهج النقد
ينقسم المنهج النقدي إلى مفهومين، الأول عام يرتبط بفكر النقد الذي أسسه ديكارت، مبدؤه هو عدم قبول المسلمات إلا بعد عرضها على العقل لتحليلها واختبارها. أما المفهوم الثاني خاص، ويعنى بمظاهر العمل الأدبي مثل طبيعة النصوص وعناصرها، وعلاقة الأدب بالمجتمع. تتوزع المناهج النقدية إلى فئتين: المنظومة التاريخية والمنظومة الحداثية.
المنظومة التاريخية
- المنهج التاريخي: يُعتبر من أوائل المناهج النقدية في العصر الحديث نظرًا لارتباطه الوثيق بتطور الفكر الإنساني، وظهور الوعي التاريخي الذي ساهم في بروز المدارس الرومانسية وانتقالها إلى ثقافات أخرى. تمثل الرومانسية وعياً تاريخياً للإنسان، وتعكس ارتباطه بواقعه الاجتماعي في فترة سادت فيها أفكار تعكس انهيار الحاضر.
بعد ذلك، ظهرت الفلسفة الماركسية، التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ الأدب من خلال دراسة العملية الأدبية بناءً على محورين أساسيين: الزمان والمكان. كما استحدثت مناهج أخرى أكثر مرونة، مثل المنهج الواقعي النقدي، الذي يركز على القضايا المجتمعية دون أي إلزام. يُعتبر “تين” و”لانسون” من الأسماء البارزة التي أسهمت في تشكيل منهج النقد التاريخي؛ حيث اعتبر “تين” الأدب مرآة لعناصر عدة تشمل الجنس، البيئة، والزمان. بينما أسس “لانسون” خطوطاً واضحة في مجال النقد العربي.
- المنهج الاجتماعي: جاءت بعثة المنهج الاجتماعي كناتج عن المنهج التاريخي، حيث تحوّل الوعي التاريخي الى وعي اجتماعي يعكس حياة البشر ويتفاعل مع الأنظمة الاجتماعية. من أبرز المدارس التي تبنت النمط الاجتماعي النقدي هي الماركسية والواقعية الغربية، حيث عملت جنباً إلى جنب في تعزيز النقد الاجتماعي.
- المنهج النفسي الأنثربولوجي: برز هذا المنهج مع ظهور نظرية فرويد، حيث درس عمليات الإبداع في ضوء سلوك الإنسان وعلاقته بمنطقة اللاشعور، معتبراً أن تفسير الأحلام هو المدخل لفهم الشخصية الإبداعية، حيث يرتبط العمل الأدبي برغبات مدفونة في النفس.
المنظومة الحداثية
- المنهج البنيوي: كان له تأثير كبير في النصف الأول من القرن العشرين بعد أن أسس الفيلسوف “دو سوسور” التمييز بين الكلام كل عمل فردي واللغة كنموذج ذهني. تأثرت البنيوية بحركة الشكلانيين الروس التي دعت إلى التركيز على التصميم الداخلي للنص الأدبي، وأيضًا نشأت مدرسة النقد الجديد التي غامرت بدراسة النص بعيدًا عن أي عوامل أخرى.
- المنهج الأسلوبي: أسس “شارل بالي” هذا المدخل عبر التركيز على الظواهر اللغوية والعاطفية في الأسلوب، والذي يكشف جماليات النص من خلال دراسة جوانبه اللغوية.
- المنهج السيميولوجي: الذي يُعنى بدراسة العلامة اللغوية. قام “سوسور” بتحديد الخصائص الأساسية للعلامة اللغوية، بينما اشتغل “بيرس” على تحليل الأنواع المختلفة للعلامات وتمييزها بمستوياتها المتنوعة.