تفسير آية الكرسي
سوف نقوم بتقسيم الآية الكريمة إلى عدة مقاطع وبيان المعاني التي تتضمنها كل فقرة، بإذن الله -تعالى-، وذلك كما يلي:
- (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)
يبين بداية الآية الكريمة أن الله -سبحانه وتعالى- هو الوحيد الذي يستحق العبادة من بين جميع المخلوقات، فلا معبود بحق في الوجود سواه -عز وجل-.
- (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
وهو -سبحانه وتعالى- صاحب الحياة الكاملة، الباقي الدائم الذي لا يموت، وهو صاحب التدبير لعالمه الذي يقوم برعاية مخلوقاته وحفظها.
- (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)
ومن كمال هذا القيام -سبحانه وتعالى- في رعاية خلقه ليلًا ونهارًا أنه لا يحتاج إلى نوم ولا يغلبه النعاس. وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنَامُ، ولا يَنْبَغِي له أن ينامَ، يخفضُ القِسطَ ويرفعُهُ، يُرفعُ إليه عملُ الليلِ قبلَ عملِ النهارِ، وعملُ النهارِ قبلَ عملِ الليلِ، حجابُهُ النورُ، وفي روايةِ أبي بكر: النارُ، لو كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجههِ ما انتَهى إليهِ بَصَرُهُ من خلقه).
- (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
في هذا المقطع، يوضح الله -سبحانه وتعالى- أن كل ما في السموات وما في الأرض هو من ملكه، وجميع مخلوقاته هي عبيد خاضعة لمشيئته وسلطانه.
- (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
ومن عظمة سلطانه أنه لا يستطيع أحد من مخلوقاته أن يشفع لأحد إلا بإذنه -عز وجل-.
- (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)
يبين الله -سبحانه وتعالى- أنه محيط بعلمه بجميع الخلائق، سواء فيما يتعلق بماضيها أو حاضرها أو مستقبلها، وهو عالم بأمور الدنيا والآخرة.
- (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)
هذا العلم الرباني الواسع لا يطَّلع أحد على شيء منه إلا إذا أعلمه الله -عز وجل- به. ومن هذه الأمور: الشفاعة التي تعتمد على إذنه -سبحانه وتعالى-، ولا يعلمها أحد إلا بوحي منه -عز وجل-.
- (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
إن الله -سبحانه وتعالى- واسع الملك والقدرة، ويوم القيامة ستكون الأرض جميعاً في قبضته، والسماوات مطوية بيمينه. يحيط علمه بكل ما هو موجود في السموات والأرض، ويعلم كل صغير وكبير، دون أن يشغله سمع عن سمع، أو شأن عن شأن، وهو القادر على كل شيء. والكرسي هو إحدى مخلوقات الله العظيمة التي نؤمن بها دون أن ندرك عظمته.
- (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)
على الرغم من هذا العلم والقدرة والقيام على السموات والأرض والمخلوقات، فإن ذلك لا يثقل كاهله -سبحانه وتعالى-، بل هو أمر يسير له ولا يكلفه شيئًا.
- (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
إنه المتعالي -سبحانه وتعالى- عن أي مشابه أو شبيه، وهو القاهر لكل شيء. وهو -سبحانه وتعالى- أعظم من كل شيء، ولا يمكن للعقول أن تحيط به أو تفهم حقيقته إلا هو -سبحانه وتعالى-، فهو المستحق لجميع صفات الكمال والجمال.
التعريف بآية الكرسي
آية الكرسي هي الآية رقم 255 من سورة البقرة، وتُعتبر من أعظم الآيات في القرآن الكريم، لأنها تتناول صفات الله -سبحانه وتعالى- المتعلقة بخلقه. وتحتوي هذه الآية الكريمة على سبعة عشر إشارة إلى الله -سبحانه وتعالى- ما بين اسم، وصفة، أو ضمير يعود إليه -سبحانه وتعالى-.
فضل الآية المباركة
وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن فضل آية الكرسي. نذكر منها ما يلي:
- ما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل قراءتها بعد الصلاة المفروضة، حيث قال: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعْهُ مِن دخولِ الجنَّةِ إلَّا الموتُ).
- تعتبر آية الكرسي أعظم آية في القرآن الكريم: حيث سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أُبيَّ بن كعب -رضي الله عنه- عن أعظم آية في كتاب الله -سبحانه وتعالى-، فأجابه: “الله ورسوله أعلم”، وقد كرر النبي -صلى الله عليه وسلم- السؤال عدة مرات، وكان جوابه دائمًا نفس الإجابة).
ثم قال أُبيُّ: “اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”، فضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- على صدره وقال له: (ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر، والذي نفسي بيده إن لهذه الآية لسانًا وشفتين تُقدِّسُ الملكَ عندَ ساقِ العرشِ).