تفسير الآية: (الفتنة أكبر من القتل)
قال الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
كما جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). وسنشرح هذه الآية الكريمة وفق ما جاء في تفاسير العلماء.
تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ)
يسألك أصحابك، يا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن القتال في الشهر الحرام، فهل يُسمح بالقتال فيه؟ قُل لهم إن القتال في هذا الشهر محرم وعواقبه وخيمة. فهو جرم عظيم وإثم كبير، وهو خطير نظراً لمكانة هذا الشهر الفضيل، بل يُعتبر منع المؤمنين من دين الله، وكفرهم به، وصَدُّهم عن المسجد الحرام، وإخراج أهل مكة منه أمراً أكبر عند الله.
تفسير قوله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل)
تشير الفتنة هنا إلى التأثير السلبي على الضعفاء والسعي لإبعادهم عن الدين الحق، مما يدل على أن الكفر والشرك بالله من أكبر الذنوب وأعظمها.
تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)
فالمشركون يسعون دائماً للقتال من أجل محاولة إبعاد المؤمنين عن دينهم، فلا يتوقف هدفهم عند المال أو القتل، بل يسعون لصد المسلمين عن دين الله. ولكن الله تعالى يريد إتمام نوره رغم كيد الكافرين.
قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). وبالتالي يجوز قتال المشركين في حال اعتدائهم على المسلمين، ولكن لا يجوز البدء في قتالهم.
تفسير قوله تعالى: (ومن يتردد منكم…)
الرِّدة تعني الخروج من الإسلام بعد دخوله. فمن أطاع الله ورسوله ثم ارتد، فإن عمله سيكون باطلاً وسيذهب سدى في الدنيا والآخرة، وهو مصيرهم الخلود في نار جهنم، ولن يخرجوا منها.
سبب نزول الآية الكريمة
نزلت هذه الآية بسبب خطأ ارتكبه عبد الله بن جحش وأصحابه عندما أرسلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لاستطلاع أخبار قريش، ولم يأمرهم بالقتال. وعندما وصلوا إلى منطقة نخلة، قابلتهم قافلة قريش، وعندما قتلو أحد أفراد القافلة، استنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلتهم لأنهم فعلوا ذلك في الشهر الحرام. ولما علم المشركون بذلك، أشاروا على المسلمين بما حصل، فجاء الأمر الإلهي ليتناول هذه الحادثة وينزل الآية الكريمة.