حكم الصلاة على الجنين الذي توفي قبل الولادة

تعد الصلاة على الجنين المجهض موضوعًا يتطلب تفهمًا عميقًا للمصاب الجلل المتمثل في فقدان الطفل. إن موت الوليد يستدعي من الرجل الحكيم والعاقل التمعن في هذا الابتلاء العسير، ويعتمد على صبر المرأة وجهدها في فهم الخير العميم الذي قد يكتسب من ورائه. لذا، سيركز هذا المقال على حكم الصلاة على الجنين المجهض، بالإضافة إلى توضيح الأجر والثواب المحتسب عند الله تعالى لهذا النوع من الابتلاء.

حكم الصلاة على الجنين المجهض

  • عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ.”
  • ثم يُرسَل إليهم الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وما إذا كان شقيًا أو سعيدًا.
  • ووالله الذي لا إله غيره، إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها سوى ذراع، ثم يسبقه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
  • وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها سوى ذراع، ثم يسبقه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
  • إذا أجهض الجنين قبل أن يتم 120 يومًا، فلا تُقام عليه صلاة الجنازة.
  • ويُستلزم دفنه في الأرض في أي موضع دون إقامة جنازة.
  • ولكن، إذا أكمل 120 يومًا، فإنه يعتبر شخصًا.
  • لذا، إذا أجهض الجنين بعد هذه المدة، فإنه يغسل ويكفن، وتُصلى عليه الجنازة، حتى لو كان بحجم اليد فقط، ويجب دفنه في مقابر المسلمين، إذا مأخذوا به في المجتمع الإسلامي.
  • إذاً، إذا اكتملت الأشهر الأربعة (120 يومًا) ثم أجهض الجنين، يُغسل ويُكفن، وتُصلى الجنازة عنه، ثم يُدفن في مقبرة المسلمين، ويعتبر شخصًا.
  • كما تُعقد له العقيقة، حسب رأي أهل العلم، ويشفع في أهله يوم القيامة.

حكم وفاة الجنين في بطن أمه

  • يروي عبد الله بن مسعود عن رسول الله ﷺ مراحل تكون الجنين: “إن خلق كل واحد منكم يجمع في بطن أمه لمدة أربعين يومًا على شكل نطفة.”
  • قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)) (سورة المؤمنون)
  • عند اتحاد الزوج والزوجة، يُزرع في رحمها سائل مائي يدوم هناك لمدة أربعين يومًا، كغذاء في تلك الحالة.
  • ويتحول هذا السائل تدريجيًا إلى لون أحمر حتى يكتمل الأربعين يومًا.
  • فإذا بلغ الأربعين يومًا، يصبح جلطة دم حمراء ويظل كذلك لمدة أربعين يومًا أخرى، مع تغيير تدريجي يحدث في تكوينه.
  • ثم بعد ذلك يبدأ في التكون حتى يصل إلى ثمانين يوماً.
  • بعد إتمام الثمانين يومًا، يكون مضغة، ويظل على هذا الحال لمدة أربعين يومًا.
  • وبذلك، يتكون الجنين في الفترة من يوم واحد وثمانين إلى يوم مائة وعشرون، وشكله المميز ليس واضحًا إلا في معظم الحالات بعد مرور تسعين يومًا.
  • لذا، يعتمد حكم وفاة الجنين في بطن أمه على عمره في وقت الوفاة.
  • بشكل عام، إذا كان عمر الجنين أقل من مائة وعشرين يومًا، فلا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه الجنازة.
  • أما إذا كان أكبر من مائة وعشرين يومًا، فإنه يغسل ويكفن، ويتم تسميته، وتُقام له العقيقة، ويُصلى عليه الجنازة ويُدفن في مقابر المسلمين.

حكم عدم دفن الجنين المجهض

  • يجب دفن الجنين الميت في مقابر المسلمين إذا كان عمره أكبر من أربعة أشهر.
  • إذا كان عمره أقل من مائة وعشرين يومًا، يجوز دفنه في أي مكان.
  • في جميع الأحوال، يجب أن يتم دفن الجنين الميت، ولا يجوز تركه دون دفن.

هل يمكن الصلاة على الطفل الميت في بطن أمه؟

  • وُثق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “والمجهض يُصَلَّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة.” (رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه الألباني أيضًا).
  • إجماعًا، لا يُصلى على الجنين الميت في بطن أمه إذا كان عمره أقل من مائة وعشرين يومًا.
  • ولا تُقام صلاة الجنازة إذا كان عمره أقل من أربعة أشهر.
  • عند إكمال الأربعة أشهر، يكون الله قد نفخ الروح في الجنين، مما يجعله يُعتبر شخصًا.
  • ووفقًا لما ذُكر سابقًا، يجب غسله وتكفينه وإقامة صلاة الجنازة له.
  • في رأي بعض العلماء، الجنين الميت في بطن أمه لا يُصلى عليه ولا يُغسل ولا يُكفن، لأنه وُلد ميتًا.
  • ويستند هؤلاء العلماء إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الطفل لا يُصلى عليه، ولا يرث، ولا يُورث، حتى يستهل” أي ينزل من بطن أمه صارخًا، مما يعني حيًا.

حكم سقوط الجنين في المرحاض

  • يقول الله تعالى: “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت” (سورة البقرة).
  • في بعض الأحيان، يواجه الحمل صعوبات تؤدي إلى وفاة الجنين في بطن الأم.
  • ويمكن أن تؤدي هذه المصاعب أحيانًا إلى سقوط الجنين الميت في المرحاض نتيجة الظروف.
  • إذا كان سقوط الجنين دون تعمد من الأم للتخلص منه، فلا إثم عليها، لأنها لم تقصد ذلك.
  • لكن إذا تعمدت الأم التخلي عن جنينها لأي سبب، فإنها بذلك تأثم، خاصة إذا كان عمر الجنين أكبر من مائة وعشرين يومًا، لأن روحًا قد نفخت فيه ويستحق غسله وصلاة جنازة له.

ثواب الجنين المجهض

  • يقول الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
  • وينقل الترمذي عن أبي سنان أنه ذكر دفن ابنه “سنَّان”، بينما كان أبو طلحة الخولاني جالسًا على حافة القبر. عندما أراد الخروج، أمسك بيده وقال: “ألا أبشرك، يا أبا سنان؟” فأجابه بـ”نعم”.
  • فقال: “حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‘إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته، قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ‘ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد.’
  • يُعَد الصبر والاحتساب في مواجهة البلاء من الأفعال المباركة، حيث يتطلبان إيمانًا قويًا بالله والقدر، خاصة مع ما يحمله فقدان الطفل من ابتلاء.
  • نحتاج جميعًا إلى الشفاعة يوم القيامة، ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا إلى مغفرة ذنوبنا، كما أن الشهداء يشفعون لأهلهم.
  • وكذلك الجنين المجهض الذي يموت بعد أن ينفخ الله فيه الروح، فإنه يشفع في والديه.
  • ويكون حجابًا لهما من النار يوم القيامة.
  • كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته”، والسّرر هنا تعني سرة الجنين.

هل يُبعث الجنين الميت؟

  • نعم، يُبعث الجنين الميت يوم القيامة، استناداً إلى قول الله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ). وهذا يُثبت أن الجنين الميت يبعث طالما أن الروح قد نفخت فيه.
  • الدليل الآخر على البعث هو الشفاعة؛ كيف يمكن أن يشفع الجنين في أمه وأبيه إذا لم يُبعث؟
  • وتوجد أدلة كثيرة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حول فضل الصبر والاحتساب عند وفاة الابن أو الابنة.
  • وقد ورد في الصحيحين حديث خاص لمن فقد أكثر من طفل وصبر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابًا من النار”. فقالت امرأة: “واثنان؟” قال: “واثنان.”
  • من المعروف أن الأطفال الذين يموتون على الفطرة، وكذلك أطفال المشركين، يكونون في البرزخ، ثم ينقلهم الله برحمته إلى الجنة تحت رعاية سيدنا إبراهيم عليه السلام.
  • بعد ذلك، هؤلاء الأطفال يشفعون في آبائهم وأمهاتهم، ويحمونهم من النار والعياذ بالله.
Scroll to Top