ما هو التشبيه المقلوب؟
التشبيه المقلوب هو تقنية لغوية يتم من خلالها اعتبار المشبّه وكأنه مشبّه به، بينما يُعتبر المشبّه به مشبهاً، مع الادعاء بأن وجه الشبه في المشبّه أقوى من ذلك في المشبّه به. وهذا يعد عكس المعنى التقليدي للتشبيه، فعند وصف المحارب بالشجاعة، يكون التشبيه التقليدي هو “المحارب كالأسد”، أما في حالة التشبيه المقلوب نقول “الأسد كالمحارب”. يُعتبر هذا النوع من التشبيه بمثابة تجديد في الأساليب البلاغية القديمة.
شروط استخدام التشبيه المقلوب
يتطلب التشبيه المقلوب الالتزام بالأعراف اللغوية، حيث إذا لم يُراعَ هذا الشرط، يصبح التشبيه غير بلاغي ويفقد معناه، بل قد يعتبر لغزاً. فمثلاً، من المعروف أن الشجاع يُشبّه بالأسد، والجميلة تُشبّه بالقمر أو الزهرة. ولكن إذا قمنا بقلب التشبيه دون مراعاة الأعراف، يصبح الأمر غامضاً، مثل قولنا “القلم كفلان”، مما قد يُسبب عدم وضوح وجه الشبه، سواء كان المقصود هو قوة الكتابة أو حدة رأسه أو غيرها.
أسماء التصنيف للتشبيه المقلوب
قبل أن يُعرف التشبيه المقلوب بهذا الاسم، كان يطلق عليه أسماء عدة. فابن جني، في كتابه “الخصائص”، أشار إليه باسم “غلبة الفروع على الأصول”، بينما سمّاه ابن الأثير “الطرد والعكس”.
الأهمية البلاغية للتشبيه المقلوب
تتجلى الأهمية البلاغية للتشبيه المقلوب في كونه يُعبر عن المبالغة، حيث يكون عادةً في التشبيه التقليدي وجه الشبه في المشبّه به هو الأضعف. لكن عندما يُعكس هذا التشبيه، يُبرز وجه الشبه في المشبّه كأكثر قوة. كما تُسهم هذه التقنية أيضاً في كسر ملل التكرار، خاصةً أن الأشعار التقليدية أصبحت تتسم بالتكرار، لذا يأتي التشبيه المقلوب كوسيلة لتجديد الصور البلاغية.
أمثلة على التشبيه المقلوب
إليكم بعض الأمثلة على التشبيه المقلوب:
- في قوله تعالى على لسان المشركين: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البيعُ مِثلُ الرِّبَوا۟ۗ}.
- وفي قوله تعالى: {طَلعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ الشَّیَطِینِ}.
- في وصف البحتري لنافورة المتوكل:
كَأَنَّها حينَ لَجَّت في تَدَفُّقِها
يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سالَ واديها
هنا، وصف البحتري تدفق النافورة واعتبره مشابهاً ليد الخليفة، حيث أن الشعراء التقليديين كانوا يشبّهون يد الممدوح بأشياء أخرى، بينما أتى البحتري بقلب هذا التشبيه.
- وفي قول ابن وهيب الحميري في ممدوحه:
وبدا الصباحُ كأنَّ غُرَّتَه
وجهُ الخليفةِ حينَ يُمتَدَحُ
في هذه الحالة، يشبّه الشاعر بداية الصباح بوجه الخليفة، والوجه المشترك بينهما هو الوضاءة، رغم أن وضاءة بداية الصباح عادة ما تكون أمتن.
- وفي قول ذي الرمة لوصف رحلته:
ورملٍ كأرداف العذارى قطعته
إذا ألبسته المظلمات الحنادس
هنا يتم تشبيه الرمل بظهر الفتيات، وهو مثلٌ آخر للتشبيه المقلوب.
- وأخيرًا، قول أبي نواس في وصف فتاة:
وَاِبنُ الرَشا لَم يُخطِها شَبَهاً
بِالجيدِ وَالعَينَينِ وَاللَبَبِ
هنا، يُشبه الشاعر ابن الرشا (الغزال) بالمحبوبة، موضحًا أنه لم يتخطاها جمالاً، وهذا مثال جيد على قلب التشبيه.