نص الآية
قال الله -تعالى-: (وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
معاني مفردات الآية
نستعرض فيما يلي معاني المفردات اللغوية الواردة في الآية الكريمة، وهي:
- أشرقت: أضاءت.
- الكتاب: صحائف أعمال الناس.
- الشهداء: الملائكة الحافظون والأبرار من الخلق.
- بالحق: بالعدل.
مناسبة الآية
بعد أن قدم الله -تعالى- في الآيات السابقة دلائل عظمته وقدرته من خلال خلق كل شيء وتدبير الكون، بدأ بالإشارة إلى يوم القيامة وذكر مقدماته التي تعكس أيضاً عظمة سلطانه وكمال قدرته. تشمل هذه المقدمات النفختين في الصور؛ فبعد النفخة الأولى يفنى كل شيء في الأرض والسماء إلا من أراد الله أن يبقى، وعقب النفخة الثانية يُبعث الأموات ليبدأ الحساب بالعدل وتظهر ملامح يوم القيامة، حيث قال -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ).
في الآية، يشير الله -تعالى- إلى نور أرض المحشر، وهو ما يناسب إقامة الحساب. يمتاز النور في هذه الآية بمعاني متعددة؛ تظهر بصورة واضحة من خلال الضياء المُشاهد، وبمعنى باطني يشير إلى العدل الذي سوف يسود بين الناس، إذ أن الظلم ظلماتٌ، بينما يكون العدل نورًا. كما يتوافق ذكر النور مع وضع الكتاب للحساب، إذ أن الكتاب هو أساس المعرفة والعلم، وبهذا يُدرك أن العلم هو نور.
المعنى العام للآية
تحدثت هذه الآية الكريمة في سورة الزمر عن أحداث يوم القيامة وأهواله، حيث ذكر الله -تعالى- أن أرض المحشر ستضيء في ذلك اليوم، حيث سيتجلى بِنوره لبدء حساب الخلائق والفصل بينهم، مؤسسا العدل يومًا لا يُظلم فيه أحد. بعدها ستُعرض الصحائف والكتب التي تشتمل على أعمال البشر، لتكون في يدهم ويتم استعراض ما بها، فيُكافأ كل عبد عن ما قدم، كما جاء في موضع آخر: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا).
ثم تُستدعى الأنبياء ليتم سؤالهم عما جوبه به أقوامهم أثناء الدعوة للإيمان، حيث قال -تعالى- في سورة النساء: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، ويأتي الشهداء وهم الحفظة من الملائكة الذين يسجلون أعمال البشر ليشهدوا عليهم، كما ذُكر في سورة ق: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ). وكذلك سيشهد الأبرار الذين استشهدوا في سبيل الله على المصدّقين بوعود الله، وأيضًا الشهود من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على الأمم الأخرى، كما جاء في سورة البقرة: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
ثم يُفصل الله -تعالى- بين المتنازعين من عباد الله، ليحقق للظالم حق المظلوم بأعلى درجات العدل والإنصاف. فليس هناك زيادة في عذاب المسيء أو نقصان في ثواب المحسن، بل يكون جزاء كل إنسان وفق عمله؛ فالله -تعالى- لا يظلم أحدًا شيئًا مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، كما ذكر في سورة الأنبياء: (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، أَتَيْنَا بِهَا، وَكَفَى بِنا حَاسِبِينَ).