المقدمة: مهنة الطفولة التي تمنيتها
للطفولة أحلام فريدة، وجميعنا يحمل في داخله حلمًا كبيرًا يسعى لتحقيقه، ويعتقد أنه سيكون متميزًا وناجحًا فيه. كثيرًا ما سألونا: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ وكانت الإجابات متنوعة وتعكس رغبات واهتمامات كل منا، فمنّا من يرغب في أن يصبح طبيبًا يقدم الرعاية للمرضى، وآخر يطمح لأن يصبح مهندسًا يبني معمارًا شامخًا، والبعض يحلم بأن يصبح تاجرًا بارعًا، وآخرون ينشدون أن يكونوا معلمين ينشئون الأجيال الجديدة.
العرض: مهنة الطفولة نتاج السعي والمثابرة
كانت الألوان دائمًا تأسرني وتجذبني بجمالها وتنوعها في هذا العالم الواسع. أحببت الأشياء الجميلة وتمكنت من تمييز مواضع الجمال في كل ما يحيط بي: راقت لي جمال الأزهار، وألوان الفراشات، وزرقة السماء التي تمنحني الهدوء، وأمواج البحر التي تشعرني بالسكينة. كنت أراقب الوجوه وأدقق في التفاصيل، متسائلاً عن الاختلاف بين الناس؛ فهذا ذو عيون كبيرة، وآخر لديه عيون صغيرة مشدودة، وهذا وله بشرة بيضاء، بينما الآخر يمتلك بشرة مشبعة بالحمرة.
بدأت في تقليد الأشكال وانحناءات الخطوط، محاولًا رسم ما أراه بدقة متناهية. رصدت عائلتي شغفي بالرسم، فشجعتني ووفرت لي والدتي دفاتر الرسم والألوان. كما لاحظت معلمة الرسم موهبتي، وعملت على تطوير مهاراتي بالمشاركة في مسابقات مدرسية، حيث حققت الفوز في معظمها، وهو ما شكل دافعا كبيرا لي لمواصلة الطريق بخطوات واثقة.
سهمت البيئة المحيطة بي في تطوير مهاراتي في الرسم؛ سواء من ناحية الأسرة أو المدرسة. لكن الموهبة وحدها لم تكن كافية، فقد تطلبت النجاح ممارسة وتدريبًا وتحملًا. إلى جانب ذلك، طورت معرفتي بمشاهدة أعمال فنين بارزين والشروع في دراسة الفنون عبر مختلف المدارس والأساليب الفنية. انغمست في القراءة وحاولت حضور المعارض الفنية لاكتساب الخبرة والتواصل مع الأجيال الأكبر سنًا.
اجتازت المرحلة الحاسمة بعد نجاحي في الثانوية العامة، واخترت دراسة الفنون البصرية، حيث أمضيت أربع سنوات في الجامعة تعلمت خلالها الكثير واكتسبت تجارب غنية، وتعرفت على أساتذة فنيين وزملاء رائعين. ساعدني ذلك في توجيه أسلوبي الفني وصقل شخصيتي كفنان حتى أصبحت لي لمستي الخاصة، وتعلمت كيفية استخدام عدة أنواع من الألوان والرسوم على مواد متنوعة.
شاركتي في معارض عدة نظمتها الجامعة، خاصة في المناسبات الثقافية والوطنية، لكن المعرض الأخير كان له مغزى خاص بالنسبة لي، إذ حضر أفراد عائلتي جميعًا. كان بمثابة تخرج لي وعرض لزملائي فنونهم أيضاً، وقد تمتع المعرض بوجود أساتذة بارزين ومهتمين بالفن.
تخرجت بتقدير ممتاز، واستعدت لإقامة أول معرض فني خاص بي، حيث اشتريت المستلزمات المطلوبة وحددت فكرة المعرض. قضيت الليالي في العمل على لوحاتي، التي تمحورت حول الحياة في المدينة. بعد انقضاء جهود طويلة لإيجاد مكان مناسب لعرض لوحاتي، وجدت أخيرًا مكانًا متواضعًا ولكن مناسبًا.
على الرغم من أن المكان لم يكن واسعًا أو مشهورًا؛ إلا أن صاحب المكان استقبلني بحفاوة. قمت بإعداد وتجهيز المعرض، حتى بدا كأنما تم تجديده. أعلنا عن يوم الافتتاح، ووضع صاحب المكان لوحة دعائية على المدخل مما ساهم في جذب الزوار.
حضور عائلتي وأصدقائي وزملاء الدراسة كان بمثابة دعم كبير لي، كما أنني رأيت عددًا من الزوار الذين لم أعرفهم من قبل مما أدخل في نفسي تفاؤلًا. مرت ثلاثة أيام من المعرض وأنا أستمتع بالتجربة رغم قلق من عدم بيع جميع اللوحات، وهو ما جعلني في حالة من الحيرة. ومع ذلك، تلقيت تعليقات مختلفة، معظمها إيجابية، مما حفزني على التحسين في المعرض القادم.
بعد انتهاء المعرض، تلقيت مكالمة من رقم مجهول، وكان من أحد الفنانين المشهورين الذين حضروا المعرض. أبدى إعجابه الكبير بعملي وقدم لي عرضًا للذهاب إلى باريس لاستكمال دراستي الفنية. استعديت بسرعة وقدمت أوراقي لجامعة معروفة في باريس، وفرحت عندما تم قبولي.
توجهت إلي باريس لمواصلة دراساتي، وكانت تلك الأيام ليست سهلة؛ إذ كنت أدرس في النهار وأعمل في مطعم ليلاً، إضافةً إلى عملي على إعداد لوحات جديدة لعرضها في معارض المدينة. بالتأكيد، فإن مجهودي أثمر نجاحًا حيث تلقيت عروضاً من معارض معروفة تسعى لتقدير الفن والفنانين. شعرت أنني في قمة السعادة لأنني أمارس ما أحب.
الخاتمة: مهنة تعكس إبداعي
في النهاية، يبقى الفن معي في كل مراحل حياتي، فهو ملاذي الذي أعبر من خلاله عن أفكاري ومشاعري. كما ساعدني على تعزيز تفكيري الإبداعي وإنتاج أجمل الأعمال بشغف. الفن هو مهنة عظيمة مارسها البشر من العصور القديمة، ابتداءً من الرسم على جدران الكهوف وصولًا إلى استخدام برمجيات الكمبيوتر المتطورة اليوم، مما يؤكد على أن الفن ضرورة نفسية وجمالية للإنسان عبر الزمن.