المال والاقتصاد
يُعتبر المال والاقتصاد العمود الفقري لأي دولة مستقلة؛ إذ يلعب المال دوراً حيوياً كوسيلة لإنفاق الدولة على مختلف المجالات، وهو أيضاً أداة لتحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي لشعبها. لذلك، أعطى الإسلام أهمية كبيرة لموضوع المال وتنظيم جمعه وإنفاقه نظراً لدوره الجوهري في بناء المجتمع.
مع توسع الدولة الإسلامية وزيادة مواردها المالية الناتجة عن الغنائم، أصبحت الحاجة ملحّة لإنشاء ما يُعرف ببيت المال. يمثل بيت المال المكان الذي تُحفظ فيه الأموال التي تُجمع للدولة، بحيث تُنظم عملية صرف هذه الأموال حسب أسس وقواعد صارمة تضمن عدم إساءة استخدامها. وبالتالي، يمكن تشبيهه بوزارة المالية أو البنك المركزي في العصور الحديثة.
تعريف بيت المال
يُعرف المال لغةً بأنه ما تمتلكه من جميع الأشياء، أما في اصطلاح الفقهاء، فهناك رأيان رئيسيان حول تعريف المال:
- وفقاً للحنفية: يُعرف المال بأنه كل ما يمكن حيازته واستثماره ويُنتَفع به عادةً. وقد ورد تعريف المال في مجلة الأحكام العدلية في المادة (126)، نقلاً عن ابن عابدين الحنفي، بأنه: ما يميل إليه طبع الإنسان، ويمكن إحرازه وتملكه وتخزينه حتى الحاجة، سواء كان منقولاً أو غير منقول.
- وأما جمهور الفقهاء، فيعتبرون أن المال هو كل ما له قيمة تلزم متلفه بضمانه، وهذا المعنى هو المعتمد قانونياً؛ حيث يُعرف المال في القانون بأنه: “كل ما له قيمة مالية”.
بيت المال هو الهيئة المسؤولة عن الأموال التي تخص المسلمين؛ وقد أُسس هذا النظام المالي في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين. وبشكل أوضح، يُمثل بيت المال (المؤسسة المشرفة على ما يُستقبل من الأموال وما يُصرف منها في مجالات إنفاق متنوعة، وذلك بيد الخليفة أو الوالي، لتوجيهها نحو ما يأمر الله به في مصلحة الأمة خلال السلم والحرب).
مصادر بيت مال المسلمين
تتعدد مصادر الأموال التي تدعم بيت مال المسلمين، وذلك حسب الجهة الملتزمة بدفع المال، حيث يتم جمع الأموال من المسلمين في بعض الأحيان، وفي حالات أخرى تأتي من غير المسلمين عن طريق الغنائم والجزية. ومن المصادر الرئيسية لبيت المال في الشريعة الإسلامية:
- أموال الزكاة: تُجمع من الأغنياء ومن تجب عليهم الزكاة.
- أموال الصدقات: التي يُخرجها المسلمون لصالح أنفسهم وأسرهم.
- أموال الجزية: التي تُجمع من أهل الذمة لقاء توفير الأمن والحماية لهم.
- أموال الخراج: هذه الضرائب تُفرض على الأراضي المحررة من قبل المسلمين حيث يتم التوافق مع أصحابها على ضرورة استمرار زراعتها مقابل نسبة معينة من الخراج.
- الغنائم: الأموال التي تُستحوذ عليها المسلمين في المعارك، حيث يتم تخصيص جزء منها لبيت المال.
- الأنفال: الأموال التي تحصل عليها المسلمين في المعارك دون قتال، ويكون لبيت المال جزء منها أيضاً.
- الخمس: وهو خُمس ما يُستخرج من الأرض من المعادن والأشياء الثمينة.
- خُمس الركاز: الأموال المدفونة في الأرض كالذهب الثمين، حيث يُعطى المُكتشف أربعة أخماسه ويُخصص بيت مال المسلمين خمسه.
- مال المرتد: الأموال التي لا يرثها مسلم إذا قتل المرتد أو مات، حيث تعود جميعها لبيت المال.
- أموال الذمي: إذا توفي الذمي ولم يكن له وارث، أو عند تفضيل ورثته لجزء من ماله.
- غلات الأملاك الناتجة عن التاجر، وغيرها من أموال تودع أو تُعتمد فيه.
- الهدايا التي تُقدم للولاة والاستشاريين عند توليهم المناصب.
- الضرائب المفروضة على الرعية لتحسين أوضاعهم فقط عند الحاجة.
- الأموال الضائعة: أي الأموال التي لا يُعرف صاحبها، أو التي ضبطتها الدولة.
- المواريث: أموال المسلمين الذين توفوا بدون وارث.
- الغرامات والمصادرات: وفق ما جاء في السنة، يُتيح تغريم مانع الزكاة وسلب أملاك المسيء.
مصارف بيت المال
تتعدد مصارف بيت المال وتختلف باختلاف الزمان والاحتياجات المتنوعة لأفراد المجتمع. من أبرز هذه المصارف:
- إنفاق الأموال على الفقراء والمحتاجين، حيث يجب على الدولة إعادة أموال الزكاة للمحتاجين.
- تأمين رواتب الموظفين: يجب على بيت المال تأمين رواتب العاملين في القطاع الحكومي، مثل الجنود والولاة والقضاة.
- تجهيز الجيوش: حيث يجب على الدولة توفير الدعم اللوجستي للجيش.
- إنفاذ المشاريع الحيوية: يجب على بيت المال أن يدعم المشاريع التي تلبي احتياجات المواطنين وتُساهم في توفير الأمان والاستقرار.