تفسير الآية التي تدعو إلى الصبر مثل صبر الأنبياء ذوي العزم

آية (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ). جاءت هذه الآية في سورة الأحقاف، وهي سورة مكية ورقمها 46 في المصحف العثماني، وتُعتبر السورة السابعة من الحواميم. وأُطلق على الأحقاف اسم المكان الذي كانت تعيش فيه قبيلة عاد والنبي هود، وقد نزل بهم عذابٌ شديد بسبب تكذيبهم لرسلهم.

تفسير آية (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)

توجه هذه الآية خطابًا كريمًا من الله سبحانه وتعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تشجعه على التحمل والصبر في مواجهة أذى الكفار، مما يستلزم الاقتداء بالأنبياء السابقين. يأمل الله أن ينزل الفرج قريبًا، حيث يشير معنى العزم إلى الحزم والقوة في دين الله. جميع الرسل من أولي العزم، لكن بعضهم واجه بلاءً وصبرًا أكبر من الآخرين. لذا، يأمر الله نبيه محمد باتباع خطاهم، كما جاء في قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ). وقد تناول المفسرون موضوع أولي العزم بشكل موسع، حيث يُعتبر كل من صبر على البلاء من أولي العزم. وأهم الأنبياء الذين تحملوا البلاء هم خمسة، كما جاء في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فيه). إذ تحمل الأنبياء الآخرون صعوبات وصبروا، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قصة نبي الله أيوب عليه السلام، الذي عانى من البلاء لمدة تقارب الثمانية عشر عامًا دون أن يتسخط أو يغضب، ولم يطلب من الله رفع البلاء عنه إلا عندما تعرض للأذى والتهم الباطلة. الهدف من الآية هو تسليط الضوء على بلاء الأنبياء السابقين، ويدل في طياته على ضرورة أن يقتدي النبي محمد بهم في صبرهم.

أولو العزم من الرسل وبعض خصائصهم

تُشير غالبية آراء العلم إلى أن أولي العزم من الرسل هم خمسة، وفيما يلي أسماءهم حسب تفاضلهم.

محمد عليه الصلاة والسلام

هو أفضل أولي العزم بالإجماع، نظرًا لشرفه ومنزلته، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. وهبه الله تعالى المقام المحمود، الذي يتمثل في الشفاعة العظمى لأهل الكبائر يوم القيامة وغيرها من الفضائل.

إبراهيم عليه السلام

يُعتبر إبراهيم خليل الله تعالى، وجعله قدوة للناس للإرشاد والهداية، فضلاً عن بناء البيت الحرام على يديه. وقد حول الله تعالى نار فرعون التي أُلقي فيها إلى برد وسلام.

موسى عليه السلام

يُعرف موسى بكليم الله، وقد أرسله الله إلى فرعون وقومه، وظهرت على يديه معجزات وآيات شهدت بحجته وصدق دعوته، رغم أن فرعون لم يؤمن به.

عيسى عليه السلام

إن عيسى هو النبي الذي وُلِد من أمّ دون أب، وقد حظي بكلام الله في مهده، ورفعه الله إلى السماء ليظل حيًا. وهذه ميزة ليست لدى غيره، وسينزل في آخر الزمان كما ذُكر في الكتاب والسنّة.

نوح عليه السلام

يعتبر نوح هو أول نبي بُعث للناس، وقد قضى ألف سنة إلا خمسين عامًا في دعوة قومه لعبادة الله، صابرًا محتسبًا. ورغم كل الصعوبات التي واجهها، لم يؤمن معه إلا القليل.

Scroll to Top