تاريخ تشريعات القوانين عبر العصور

التشريع

قبل الخوض في تاريخ التشريع ومراحله المتعددة، يجب تقديم تعريف دقيق لمفهوم التشريع. يُشير هذا المصطلح إلى مصادر وأصول الشريعة الإسلامية، حيث يشمل جميع الأحكام التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده عبر رسله. وعادة ما يُستخدم مصطلح الشريعة من قبل الفقهاء للإشارة إلى هذه الأحكام، نظرًا لدقتها ووضوحها، مما يجعلها خالية من أي خطأ. ويُشتق مصطلح التشريع من الفعل شَرَعَ، الذي يعني إعداد الشريعة والعمل على سن قواعد وأحكام وأنظمة جديدة. كما ورد في قوله تعالى: “شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً”.

تاريخ التشريع

يشير مفهوم تاريخ التشريع إلى المجال الذي يتناول دراسة الفقه الإسلامي عبر مختلف العصور والمراحل، بدءًا من زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، وما تبع ذلك من فترات تاريخية. يسلط الضوء على الأزمنة التي ظهرت فيها الأحكام، كما يوضح ما تم من تخصيص أو نسخ أو تعديل لهذه الأحكام. ويقوم بدراسة حالات الفقهاء والمجتهدين، وتأثيراتهم على تلك الأحكام. يُعتبر ما ورد من أحكام خلال حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام مصدرًا أساسيًا، بينما يُعتمد على اجتهاد الصحابة والتابعين في الفترات اللاحقة، مما يجعل هذه الاجتهادات محاولات لتوسيع وتسهيل القواعد العامة وبيانها بشكل أوضح. لفهم تاريخ التشريع، يجب توزيعه على مراحل وحقب وفقًا للتسلسل التالي:

  • المرحلة الأولى: تُعرف بمرحلة الرسالة، والتي تتضمن فترة حياة الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. كان النبي قد قدم لأمته شريعة كاملة تضم أحكاماً وأصولاً واضحة، كما يتبين من قوله تعالى: “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا”. وتنقسم هذه الأحكام إلى:
    • الأحكام الاعتقادية، والتي تشمل أركان الإيمان، بدءاً بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ووحدانيته، ومروراً بملائكته وكتبه ورسله، وانتهاءً بالإيمان باليوم الآخر.
    • الأحكام الوجدانية، المتعلقة بالمبادئ والأخلاق الفاضلة مثل الصدق والزهد في الدنيا، والتوكل على الله مع الاعتماد على الذات، فضلاً عن الصبر و الرضا والقناعة.
    • الأحكام العملية، التي تتعلق بسلوك الفرد، والتزامه بالفرائض مثل الصلاة والصيام والزكاة، والابتعاد عن المحرمات.
  • المرحلة الثانية: تمثل فترة الخلفاء الراشدين، الذين شكلوا عصوراً هامة من تاريخ المسلمين في الفترة التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. في هذه المرحلة، كان مرجع الصحابة القرآن والسنة، ومع تزايد التحديات ظهرت حاجة ملحة للاجتهاد لإيجاد حلول للمشكلات الجديدة.
  • المرحلة الثالثة: تعود إلى عهد تدوين التشريع الإسلامي، وقد بدأت من منتصف القرن الأول وحتى بداية القرن الثاني الهجري، وتُعد بداية مرحلة التابعين وصغار الصحابة.
  • المرحلة الرابعة: تتعلق بالظهور الفعلي للسنة النبوية وأصول الفقه، حيث نشأت المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفي، الشافعي، المالكي، والحنبلي.
  • المرحلة الخامسة: استمرت بين بداية القرن الرابع ونهاية الدولة العباسية، حيث شهدت تنفيذ الأحكام المستندة إلى المذاهب السابقة.
  • المرحلة السادسة: تعرف بعصر ضعف التيارات الفكرية والعلماء، وتمتد من منتصف القرن السابع وحتى بداية العصر الحديث.
  • أخيراً، المرحلة السابعة: بدأت منذ منتصف القرن الثالث عشر الهجري وتستمر حتى الوقت الراهن، وقد شهدت توسيع نطاق الدراسات الفقهية بشكل ملحوظ.
Scroll to Top