الآيات المتعلقة بفضائل صلح الحديبية
تعد سورة الفتح من السور المدنية، حيث نزلت بين مكة والمدينة عقب إبرام صلح الحديبية. تتناول السورة موضوع الصلح وتبرز إنجازات النبي -صلى الله عليه وسلم-. في هذه الفقرة، نستعرض الآيات الست الأولى التي تعكس موضوع الصلح:
- (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)
تخبر الآية الكريمة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عن فتح عظيم تم بفضل صلح الحديبية. وقد أشار بعض المفسرين إلى أن المقصود بهذا الفتح هو بشارة بفتح مكة، بينما اتفق جمهور المفسرين على أن المقصود هو صلح الحديبية.
- (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)
تدل هذه الآية على أن الله -سبحانه وتعالى- سيغفر للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما سبق من ذنوبه وما سيأتي، وقد أظهر النبي فرحته بهذه الآية، حيث قال: (لقد أُنزِلَت عليَّ آيةٌ أحبُّ إليَّ مِمَّا علَى الأرضِ) في إشارة إلى هذه الآية.
- (وَيَنصُرَكَ اللَّـهُ نَصْرًا عَزِيزًا)
تمثل هذه الآية بشارة أخرى للنبي -صلى الله عليه وسلم- بنصر لا ذل يليه، واعتبر بعض المفسرين أنها بشارة بفتح مكة الذي سيأتي لاحقًا.
- (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
تشير هذه الآية إلى فضل الله -سبحانه وتعالى- على الصحابة الكرام، حيث منحهم السكينة وزيادة الإيمان في قلوبهم، مما دفعهم للجهاد في سبيله بقلب مطمئن. ورغم أن الله -سبحانه وتعالى- لديه جنود السماوات والأرض، إلا أنه شرّع الجهاد للمؤمنين ليحققوا الأجر الكبير.
- (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّـهِ فَوْزًا عَظِيمًا)
تكافئ هذه الآية المؤمنين بدخول الجنة وتكفير الذنوب، وتشير إلى ما سبق بشارته لهم في الآية السابقة.
- (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّـهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
تعد هذه الآية تحذيرًا للمنافقين والمشركين الذين ظنوا أن الله -سبحانه وتعالى- لن يدعم النبي والموحدين بالعذاب الذي يتعرض له أعداؤهم.
الآيات المتعلقة بالمتخلفين عن صلح الحديبية
تناقش الآيات (11-17) الأسباب وراء تخلف بعض الأشخاص عن صلح الحديبية، وسنذكرها فيما يلي:
- (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
حين مر النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريقه إلى مكة لأداء العمرة بعد صلح الحديبية، التقاه بعض الأعراب الذين أظهروا إيمانهم، وأشاروا إلى اعتذارات كاذبة بانشغالهم بأموالهم وأسرهم. لكن الله -سبحانه وتعالى- كشف حقيقتهم وأظهر عدم مبررات خوفهم.
- (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا)
تعبر هذه الآية عن اعتقاداتهم الخاطئة التي صورت لهم انعدام عودة النبي والمؤمنين، مما أفقدهم صوابهم.
- (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)
تشير هذه الآية إلى عاقبة من يتجاهل إيمانه بالله ورسوله.
- (وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)
توضح هذه الآية أن الله -سبحانه وتعالى- هو المتصرف في كل ما خلق، يمتلك القدرة على المغفرة والعقاب، وفيها دعوة صريحة للتوبة.
- (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّـهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
بعد علمهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاهب لأخذ غنائم من فتح خيبر، أراد المخلفون الانضمام، لكن الله -سبحانه وتعالى- قد قرر أن هذه الغنائم ستخصص فقط لمن شارك في الحديبية.
- (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
تعكس هذه الآية اختبارًا للمتخلفين، إذ سيتم دعوتهم لمواجهة عدو قوي، فإن أطعتم فسيكون لكم أجر عظيم، وإن تخلّيتم كما فعلتم في الحديبية، فقد جلبتم على أنفسكم العذاب.
- (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)
تقدم هذه الآية استثناءً للأشخاص ذوي الأعذار الحقيقية عن واجب الجهاد.
الآيات المتعلقة ببيعة الرضوان ومدح المبايعين فيها
يقول الله -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا* وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا* وَعَدَكُمُ اللَّـهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا* وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـهُ بِهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا* وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا* سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا)
تتناول هذه الآيات الكريمة أولئك الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان تحت الشجرة، حيث كانت دوافعهم تتزايد بعد تلقيهم أخبار مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي كان رسول النبي.
مدح الله هؤلاء المؤمنين وأثبت محبتهم في قلبه، مشيرًا إلى فتح قريب -وهو فتح خيبر- إلى جانب بشارتهم بغنائم كبيرة سيحصلون عليها دون الخوف من أذى المحاربين هناك. كما وعدهم بفتح مكة الذي كان بعيد المنال: (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا).
الآيات المتعلقة بالحكمة من المصالحة ووقف القتال
توضح الآيات الكريمة (24-26) أن الله -سبحانه وتعالى- منعت القتال بين الفريقين حتى يتم الصلح، لما لذلك من فوائد عظيمة للإسلام والمسلمين.
وحرصاً على عدم حدوث قتال في مكة المكرمة حيث قد يكون بعض المؤمنين المستضعفين متخفيين، مما يعرضهم للخطر، فيقوم المؤمنون بقتلهم دون علم، فيقع الإثم عليهم، فإذا تمايزت الصفوف لحق الكفار العذاب من الله -سبحانه وتعالى-.
وعندما تمت كتابة شروط الصلح، تعنت الكفار بأن يوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، دوماً بخلفية من الفخر الجاهلي، لكن الله -سبحانه وتعالى- وفق المؤمنين للثبات على الحق والطاعة، مما جعلهم يقبلون بنود الصلح رغم ما بدا فيها من ظلم.
الآيات المتعلقة بنصر الله لرسوله الكريم
تشير الآيات (27-29) إلى أن الله -سبحانه وتعالى- سيوفي وعده لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا بدخول المسجد الحرام، لكن ذلك لم يكن في عام الحديبية بل تحقق في العام التالي. بفضل الصلح، تمكّن المسلمون من نشر الإسلام وفتح خيبر.
تختتم السورة الكريمة بصفا ت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، حيث توصفهم بالصلابة في مواجهة الأعداء والرأفة فيما بينهم، وكثرة عبادتهم ونور الإيمان الذي يشرق منهم. وقد وُصفت هذه الصفات أيضا في التوراة.
أما في الإنجيل، فقد تم تشبيههم بالنبتة الضعيفة التي نمت لتصبح قوية وراسخة، وهي خصائص تثير حسد أعداء الله -سبحانه وتعالى- من الكفار.