عصبة الأمم
تجلى مفهوم التنظيم السلمي لأول مرة في عام 1795 على يد الفيلسوف إيمانويل كنت، الذي تناول في مؤلفه “السلام الدائم” فكرة تأسيس رابطة يجتمع فيها الأمم لتسوية النزاعات وتجنب الحروب. وقد كان الهدف من هذه الرابطة هو تعزيز السلام الدولي. ظلت فكرة تحقيق سلام عالمي غير مُعتمدة حتى وقوع حروب نابليون في القرن التاسع عشر، حيث بدأت القوى العظمى الأوروبية تسعى لتفادي الحروب عبر خلق توازن في القوة، مما أدى إلى تأسيس منظمة السلام الدولية المعروفة بالاتحاد البرلماني الدولي.
مع بداية القرن العشرين، تشكلت تحالفات بين القوى الكبرى في أوروبا، مما أدى إلى ظهور هيئات عسكرية تطورت مع الزمن. وفي نهاية المطاف، أدت هذه التوترات إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة تجاوزت 37 مليون ونصف المليون شخص بين قتيل وجريح ومفقود. كما تحملت أوروبا أضرارًا اجتماعية واقتصادية وسياسية جسيمة. انتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وأدى ذلك إلى تأسيس منظمة دولية تهدف إلى منع الحروب مستقبلاً، حيث شملت أهدافها نزع السلاح وتعزيز التعاون الدولي وتطبيق الدبلوماسية المفتوحة، إضافة إلى الدعوة لتقييد حق الدول في شن الحروب وفرض عقوبات على الدول التي تخالف هذه القوانين. وكانت هذه اللحظة إيذانًا بظهور عصبة الأمم الناتجة عن مؤتمر السلام.
تعريف عصبة الأمم
تأسست عصبة الأمم خلال مؤتمر السلام الذي عُقد في باريس، حيث تشكلت لجنة من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا واليابان. كانت مهمة الدول المنتصرة هي صياغة مشروع ميثاق العصبة، حيث تمثل كل دولة عبر مندوبين، بالإضافة إلى مندوب يمثل الدول العشر المتحالفة.
تعتبر عصبة الأمم من أكثر المنظمات شهرة، وقد دامت أفكار الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون (Woodrow Wilson) في تأسيسها، حيث وضع 14 مبدأ للسلام تضمنت العصبة. تم الموافقة على إنشاء العصبة عام 1919 وبدأ العمل بها في 10 يناير 1920، بعد المصادقة عليها في مؤتمر فرساي. كانت عصبة الأمم أول منظمة تدعو للسلام العالمي، ومقرها في جنيف وسخرت اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى الإسبانية.
شعار عصبة الأمم
اعتمد شعار عصبة الأمم في عام 1939، وكان عبارة عن نجمتين خماسيتين تتواجدان على خلفية زرقاء خماسية. ترمز النجوم إلى الدول الخمس وأعراقها، ويحمل الشعار قوسين: أحدهما في الأعلى يحمل اسم المنظمة باللغة الإنجليزية والآخر في الأسفل باسمها باللغة الفرنسية.
أعضاء عصبة الأمم
تتكون عصبة الأمم من ثلاثة فئات من الأعضاء:
- الأعضاء الأصليون: وتضم 33 دولة كانت من بين الدول الحليفة التي وقعت على معاهدة فرساي.
- الأعضاء المدعوون: وهم الدول التي اتخذت موقف الحياد خلال الحرب العالمية الأولى، حيث دعتها الدول المؤسسة للانضمام إلى العصبة، ومن بين هذه الدول إسبانيا وسويسرا وهولندا وبلجيكا والدول الاسكندنافية، بالإضافة إلى 13 دولة من أمريكا اللاتينية.
- الأعضاء المنتخبون: وهم الدول التي تقدمت بطلب للانضمام وتمت الموافقة عليها من قبل الجمعية العامة للعصبة، حيث يبلغ عددها حوالي 20 دولة.
الانسحاب من العضوية
يمكن تصنيف الانسحاب من عصبة الأمم إلى نوعين: voluntary و compulsory. الانسحاب الطوعي هو عملية يطلب فيها العضو أو الدولة الانفصال عن العصبة بتقديم طلب قبل عامين من الانسحاب، ويجب سداد جميع التزاماتها المالية. في حين ان الانسحاب القسري يعني فصل الدولة من عضويتها بسبب انتهاك القوانين. ومن الأمثلة على الانسحاب الطوعي انسحاب ألمانيا في عام 1933 بعد صعود هتلر، وانسحاب إيطاليا في عام 1937 بعد فرض عقوبات اقتصادية عليها إثر احتلال أثيوبيا، أما مثال الانسحاب القسري فهو فصل الاتحاد السوفيتي بسبب اعتداءه على فنلندا في 14 ديسمبر 1939.
أهداف عصبة الأمم ومبادئها
ترتكز الأهداف الأساسية لعصبة الأمم على جانبين رئيسيين:
- زيادة التعاون بين الدول في مجالات الاقتصاد والثقافة والاجتماع، بالإضافة إلى دعم الدول النامية، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق السلام العالمي.
- الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين عبر نزع السلاح وتحديد القيود على إعلان الحرب من قبل الدول.
أما المبادئ التي اعتمدتها العصبة لتحقيق أهدافها فكانت:
- تجنب استخدام القوة لحل النزاعات الدولية.
- احترام القوانين والأحكام الدولية.
- توفير علاقات مبنية على العدالة والشرف بين الدول.
- الالتزام بالنصوص المقررة في المعاهدات الدولية.
الأجهزة الرئيسية لعصبة الأمم
تتكون عصبة الأمم أساسًا من:
الأمانة العامة لعصبة الأمم
الأمانة العامة تتكون من عدة أقسام، ويكون لكل قسم مسؤولياته الخاصة المتعلقة بالأعمال المكتبية. تشمل هذه الأقسام السياسية والاقتصادية والشؤون القانونية، ونزع السلاح، والشؤون الصحية والاجتماعية والثقافية. يقع مقر الأمانة في جنيف ويعمل تحت إشراف الأمين العام للعصبة، وقد شغل هذا المنصب ثلاثة أشخاص؛ هم جيمس إريك دروموند (James Eric Drummond) من 1920 إلى 1933، جوزيف أفينول (Joseph Final) من 1933 إلى 1940، وشون ليستر (Sean Lester) من 1940 إلى 1945.
الجمعية العامة لعصبة الأمم
تتكون الجمعية العامة من ممثلي الدول الأعضاء حيث يمثل كل دولة ثلاثة مندوبين وصوت واحد. من مهام الجمعية الموافقة على الأعضاء الجدد، وانتخاب الدول التي ستحصل على العضوية غير الدائمة في المجلس، بالإضافة إلى المراقبة على الميزانية. بدأت الاجتماعات الدورية للعصبة في عام 1920، ومنذ ذلك الحين تُعقد الاجتماعات في سبتمبر من كل عام، مع إمكانية عقد اجتماعات طارئة في حالات استثنائية بشرط موافقة الأعضاء.
مجلس عصبة الأمم
تكون مجلس العصبة من أربعة أعضاء دائمين هم: بريطانيا وإيطاليا وفرنسا واليابان، بالإضافة إلى أربعة أعضاء غير دائمين يتم تغييرهم كل ثلاث سنوات. يعد المجلس الهيئة التنفيذية المعنية بتنفيذ قرارات الجمعية العامة. وقد شهد المجلس مرات عديدة تغييرات تنظيمية، حيث زاد عدد الأعضاء غير الدائمين من أربعة إلى ستة في عام 1922، ثم إلى تسعة في نفس العام، مع انضمام ألمانيا كعضو دائم.
فشل عصبة الأمم
تراجعت عصبة الأمم نتيجة عدة أسباب:
- في عام 1931، غزت اليابان منشوريا ولم تتعرض للعقاب بسبب انسحابها من العصبة، واعتمدت في احتياجاتها على دول غير أعضاء في العصبة.
- انسحب هتلر من العصبة في عام 1933، مما أدى إلى تسليح ألمانيا وتوسعها، مما مهّد لقيام الحرب العالمية الثانية.
- فشل المؤتمر الخاص بنزع السلاح بين 1932-1934، حيث رفضت الدول الكبرى التخلي عن أسلحتها.
- فشلت العصبة في منع إيطاليا من احتلال إثيوبيا خلال 1935-1936، حيث انسحبت إيطاليا وتحالفت مع ألمانيا.
- لم تتمكن العصبة من منع احتلال فنلندا من قبل الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى فصلها قسراً من العصبة.
على الرغم من فشل عصبة الأمم، إلا أنها ساهمت في تقليص النزاعات وحالت دون نشوب الحرب العالمية الثالثة.