ما هو تغيّر المناخ؟
تغيّر المناخ يعتبر ظاهرة طبيعية حدثت منذ تكون الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة، حيث تأثرت بتفاعلات طبيعية مثل الانفجارات البركانية، والتغيرات المدارية، وحركة الصفائح التكتونية. كانت تقلبات المناخ تتكرر تقريبًا كل مئة ألف عام، متضمنة فترات جليدية وفترات بين جليدية ذات درجات حرارة مرتفعة نسبيًا، نتيجة تغيرات المدار الأرضي حول الشمس. ومع ذلك، بدأ الوضع يتغير منذ بداية الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، حيث أصبحت الأنشطة البشرية مثل احتراق الوقود الأحفوري وتغيير الاستخدامات الزراعية من أبرز العوامل المساهمة في تغيّر المناخ، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بشكل ملحوظ وسريع.
تعتبر قضية تغيّر المناخ من القضايا الحاسمة في عصرنا الحديث، نظراً للتبعات الكبيرة التي تنجم عنها، مثل التغيرات في درجات الحرارة، ونسب الأمطار، وأنماط الطقس، مما يهدد الإنتاج الغذائي العالمي ويزيد من مخاطر الفيضانات بسبب ارتفاع مستويات البحار والمحيطات. هذا الأمر يؤثر سلبًا على الصحة البشرية، والأنظمة البيئية، وموارد المياه، بالإضافة إلى تأثيره على المجتمعات البشرية والتنوع البيولوجي. والتسارع غير المسبوق في تغيّر المناخ خلال الخمسين عامًا الماضية يشير بوضوح إلى أن المناخ يتأثر بانبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية.
يصعب التفريق بين تغيّر المناخ وتغيّر الطقس، فعندما يتم قياس الطقس (بالإنجليزية: Weather) تُراعى قياسات منطقة معينة خلال فترة قصيرة من الزمن (أسابيع أو أيام)، مما يُنتج تباينًا عاليًا في القيم. في حين أن مصطلح المناخ (بالإنجليزية: Climate) يشير إلى حساب متوسطات أنماط الطقس على مدار فترة زمنية طويلة مثل المتوسط السنوي لدرجات الحرارة أو كميات الأمطار في منطقة معينة. يمكن وصف المناخ بالثبات عندما يكون هناك توازن بين الطاقة الواردة والصادرة عبر الغلاف الجوي، حيث تُعتبر الطاقة الداخلة تأتي من الإشعاع الشمسي، بينما الطاقة الصادرة هي شكل من الطاقة التي يعيد تأيينها سطح الأرض نحو الفضاء على هيئة أشعة تحت الحمراء. ومن المعروف أن زيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي تؤدي إلى تقليص كفاءة الأرض في إشعاع الطاقة إلى الفضاء، مما يزيد من درجة حرارة الكوكب.
أدلة على تغيّر المناخ
هناك العديد من الأدلة التي تؤكد حدوث تغيّر في المناخ، ومن أبرزها:
- ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية: فقد ارتفعت درجات الحرارة على سطح الأرض بشكل كبير منذ نهاية القرن التاسع عشر، نتيجة الأنشطة البشرية التي أسفرت عن زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات في الغلاف الجوي.
- ارتفاع درجة حرارة المحيطات: ارتفعت متوسطات درجات حرارة مياه المحيطات، وبالأخص في أول 700 متر منها.
- تقلص الصفائح الجليدية: تشير بيانات وكالة ناسا إلى أن جزيرة غرينلاند تفقد نحو 286 مليار طن من الجليد سنويًا من 1993 إلى 2016، كما تفقد المنطقة القطبية الجنوبية حوالي 127 مليار طن سنويًا، وقد تضاعف معدل فقدان الجليد في القارة القطبية الجنوبية ثلاث مرات في العقد الماضي.
- تراجع الأنهار الجليدية: لوحظ انحسار الأنهار الجليدية في مناطق متعددة حول العالم بما في ذلك جبال الألب، والهيمالايا، وأنديز، وجبال الروكي، وآلاسكا، وأفريقيا.
- انخفاض الغطاء الثلجي: انخفضت كميات الغطاء الثلجي في نصف الكرة الشمالي خلال العقود الخمس السابقة، وفقًا لملاحظات الأقمار الصناعية، كما بدأت الثلوج تذوب في أوقات أبكر.
- ارتفاع مستوى سطح البحر: سجلت قياسات ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 20 سم خلال القرن الماضي، ولاتزال الارتفاعات تزيد بشكل طفيف كل عام، حيث ارتفع مستوى البحر في العقدين الأخيرين إلى الضعف مقارنة بالقرن الماضي.
- انحسار الجليد البحري في القطب الشمالي: انخفض كل من حجم وسمك الجليد البحري في القطب الشمالي بشكل سريع في العقود الأخيرة.
- الأحداث الجوية القاسية: شهدت الولايات المتحدة زيادة في حالات ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض في حالات انخفاضها منذ الخمسينات، كما زادت حالات الأمطار الغزيرة.
- زيادة حموضة المحيطات: منذ بداية الثورة الصناعية، أدت زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى زيادة امتصاص المحيطات له، خاصة في الطبقة العليا، حيث تم تسجيل زيادة قدرها حوالي ملياري طن سنويًا.
الأسباب المؤدية لتغيّر المناخ
الأسباب البشرية
يُعتبر الإنسان فاعلًا رئيسيًا في تغيّر المناخ نتيجة أنشطته التي تؤدي إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات دفيئة أخرى. أدى ذلك إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بشكل كبير مقارنة بالفترات السابقة. فقد ارتفع تركيزه بنسبة 40% فقط في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وفيما يلي بعض الممارسات البشرية التي ساهمت في هذه الظاهرة:
- حرق الوقود الأحفوري: تحتوي مصادر الوقود الأحفوري التي استخرجت من باطن الأرض على ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي إلى تراكمه في الجو عند حرق هذه المصادر.
- إزالة الغابات: تلعب الغابات دورًا أساسيًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وبالتالي فإن قطع الأشجار وحرقها يؤديان إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
- الزراعة ورعاية الحيوانات: يؤدي كلاهما إلى انبعاث غازات دفيئة متنوعة، مثل غاز الميثان الذي يُنتج عن الحيوانات، وهو أكثر قوة من ثاني أكسيد الكربون بحوالي ثلاثين مرة، بالإضافة إلى أكسيد النيتروجين المستخدم في الأسمدة الذي يتمتع بقوة تأثير تصل إلى 300 مرة مقارنة بثاني أكسيد الكربون.
- إنتاج الأسمنت: يساهم إنتاج الأسمنت في حوالي 2% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يؤثر على تغيّر المناخ.
الأسباب الطبيعية
مرّت الأرض بفترات مناخية دافئة وباردة قبل وجود الإنسان، بسبب عوامل طبيعية مثل شدة الشمس والانفجارات البركانية وتغيرات طبيعية في تركيزات غازات الدفيئة. لكن هذه الأسباب ليست كافية لوحدها لتفسير تسارع الاحتباس الحراري الحالي، خصوصًا بعد منتصف القرن العشرين. وفقًا لوكالة ناسا، لا تزال هذه الأسباب موجودة ولكن تأثيرها على البيئة أصبح ضئيلاً جداً، مما يعني أنها لا يمكن أن تكون العامل الرئيسي وراء تسارع الاحتباس الحراري الذي نشهده في العقود الأخيرة.