تفسير المعنى العميق لآية “اجتنبوا كثيرًا من الظن إنّ بعض الظنّ إثم”

تعريف الظن في اللغة والاصطلاح

الظن في اللغة: هو جمع ظنون وأظانين، ويعني التردد الذي يميل إلى أحد طرفي الاعتقاد، بحيث يكون لدينا اعتقاد غير جازم بين اليقين والشك. يمكن أن نعتبره قريبا من العلم، بينما في الاصطلاح، يعني الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال وجود نقيض. ويمتاز الظن بإمكانية أن يقارب اليقين أو الشك، ويُعتبر أحد الجوانب المرتبطة بالشك ولكن من منظور الرجحان. ويظهر لفظ الظن في القرآن الكريم في ثماني مواضع بمعنى اليقين، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾. يمكن اعتبار الظن درجة من درجات المعرفة، رغم أنه لا يصل إلى اليقين.

تفسير الآية (اجتنبوا كثيرًا من الظن إنّ بعض الظنّ إثم)

تشير هذه الآية إلى النهي عن الظن المفرط، مما يعني أن هناك أنواع من الظن لا تُرفض. فهناك نوع من الظن يعتبر محظورًا، مثل سوء الظن بالله أو بالمسلمين. يُشدد على أن الظن المدعوم بأدلة يقينية يستحق الاعتبار، وقد يبقى بعض الظن مباحًا أو قد يُوصى به. ومع ذلك، يُفضل للمسلم أن يتجنب الظن ما أمكن.

تحذر الآية من الظن السيء، مما يعكس أهمية الإحسان في الظن بأفراد المجتمع، إذ يتوجب عدم الافتراض بكثير من السوء. حيث أن كلمة “كثيرًا” في هذه الآية تدعو للتقيد والحذر عند إبداء الظنون. وينبغي على المسلم أن يتبنى الظن الحسن، كما ورد في قوله -تعالى-: (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا).

يتوجب على المؤمن الستر عند ملاحظة أي شيء من أخيه المسلم، فالله -عز وجل- ستره. وفي الحقيقة، فإن الظن الحسن بالمؤمن يعد حقًا له، بينما يجلب سوء الظن الإثم والعقاب. وتُشير القاعدة الأصولية إلى أن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، مما يعني أنه عندما نتجنب الكثير من الظن، نكون بذلك بعيدين عن الظن المحرم. فالظن يُزرع في القلب بفعل الشيطان، ولهذا لا يجب الاعتماد على ما لم تره عينيك أو تسمعه بأذنك؛ يجب أن نتجنبه، لأنه محاولة من الشيطان لإثارة الفتنة بين المسلمين. لذلك، يتوجب علينا الابتعاد عن الظن.

في الوقت الحالي، يتفشى سوء الظن في مجتمعاتنا. فحالما يحدث أمر ما، يبدأ الناس في تداول الأحاديث حوله، مما قد يوقعهم في أعراض الآخرين دون دليل. هذا يعتبر ظلمًا وإثمًا يقع فيه الكثيرون، لذا ينبغي أن يتحلى المؤمن بالحذر وتجنب الظنون التي تفتقر إلى الأدلة، وأن يكون لديه الظن الحسن تجاه الآخرين.

معنى الظن في القرآن الكريم

تم ذكر معنى الظن في القرآن الكريم بعدة أشكال، وهي:

  • الشك

كمثال قوله -تعالى-: (إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾.

  • اليقين

كما في قوله -تعالى-: (وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ).

  • التهمة

كما جاء في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾.

  • الحسبان

كما ورد في قوله -تعالى-: (إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾.

  • الكذب

كما في قوله -تعالى-: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾.

Scroll to Top