السياق الأخير من سورة البقرة
قال -تعالى-: (لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
شرح آخر ثلاث آيات من سورة البقرة
تفسير الآية الأولى
تبدأ هذه الآية بذكر اسم الله، الذي يُشير إلى مالكية الله تعالى لكل ما في السموات والأرض، سواء كان كبيراً أو صغيراً. فهو المتصرف فيها وهو مَن يدبر أمورها، ولا تخفى عليه أي منها. هذه الآية توجه الخطاب إلى الشهود المذكورين في آية الدين، تحثهم على عدم كتمان الشهادة. وتبرز أن كتمان الحق يوغر القلب، وألا يُخفى عليه شيء من كتمانكم، فالله قد أحاط علمه بكل شيء. من هنا، فإن من يقوم بإخفاء الشهادة من أجل طمس الحق أو إنكاره، سيحاسبه الله على هذا الفعل، مما يشمل جميع من يضمر ذنباً أو يعلنه.
تفسير الآية الثانية
تعبر الآية عن إيمان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل ما أُنزِل إليه من ربّه، بما في ذلك الحلال والحرام، والوعود والتهديدات، وكل ما يحتويه القرآن من رسائل. وقد آمن المؤمنون بذلك، بما في ذلك الأمور الغيبية كالملائكة والرسل السابقين وكتب الله المُنزلة. يجسد قولهم “لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ” التجسيد الكامل لوحدانية المرسلين وإقرارهم بأنهم جميعاً جاءوا برسالة واحدة من الله. إيمانهم يختلف عن أولئك الذين آمنوا ببعض الأنبياء وكذّبوا بالآخرين، مما يُبرز تميزهم.
تفسير الآية الثالثة
يُؤكد الله -سبحانه وتعالى- أنه لا يُكلف أي نفس فوق طاقتها، فالله لا يُجبر عبده على ما يفوق قدرته، كما أنها تشتمل على مسألة وسوسة النفس. فالوساوس لا تُحاسب إلا إذا استجاب العبد لها بالفعل. إذًا فالله لا يعاقب على ما يراود النفس من أفكار، بل يحاسبه على الأفعال. وتختم الآية بدعاء قوي، يُعرب فيه العبد عن طبيعته البشرية القابلة للنسيان، ويسأل الله ألا يُحاسبه على ما ينساه أو يرتكبه من أخطاء غير مقصودة. ويشمل هذا النداء أيضًا الدعاء للنجاة من أوزار العهود التي عجزت أمم سابقه عن الوفاء بها، وطلب التيسير في الأمور، كما فعل بنو إسرائيل في عهودهم.