تفسير سورة إبراهيم: معانيها ودروسها العظيمة

تفسير سورة إبراهيم

تتناول سورة إبراهيم مجموعة متنوعة من الموضوعات، حيث تتكون من 51 آية. في ما يلي عرض مختصر لتفسير سورة إبراهيم، مع تسليط الضوء على أبرز المضمون الذي تتضمنه:

الآيات (1-4)

قال الله -تعالى-: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ…)، حتى قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

تبدأ السورة بتأكيد إعجاز القرآن الكريم وتعظيم منزلته، وتوضح الغاية من إنزاله، وهي إخراج البشرية من الظلمات إلى النور. كما تتناول مظهرًا من مظاهر قدرة الله -تعالى-، وتحذر من العواقب الوخيمة للمكذبين الكافرين، وتشير إلى أن كل رسول أرسله الله تحدث بلسان قومه ليسهل عليهم فهم الدعوة.

الآيات (5-8)

قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ…)، حتى قوله: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).

بعد توجيه الخطاب للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه رسول للناس، تتحدث الآيات عن قصة نبي الله موسى -عليه السلام- ورسالته إلى قومه، والتي كانت تهدف أيضًا لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وتذكيرهم بنعم الله -تعالى- ووجوب شكرها لأنه -سبحانه- غني عنهم.

الآيات (9-12)

قال -تعالى-: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ…)، حتى قوله: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

تتناول هذه الآيات قصص بعض الأنبياء وعلاقتهم بأقوامهم، حيث جاء الأنبياء بحجج واضحة، وبينوا طرق الهداية لقومهم. كما توضح ما حدث لنوح وعاد ومن تبعهم بسبب تكذيبهم. هي دعوة للاعتبار بمصير السابقين، وتؤكد على مسار الرسالة الهادفة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

الآيات (13-17)

قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ)، إلى قوله: (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ).

تتابع الآيات بالحديث عن حوارات الأنبياء مع أقوامهم، وما أعلنه الله لرسلهم -عليهم السلام- من نصر واعد به. وبيّنت تهديد الكفار للأنبياء بالطرد أو العودة إلى الدين الضال. ولكن قدرة الله -تعالى- أظهرت النصر للرسل، في حين واجه الكافرون العذاب والهلاك.

الآيات (18-23)

قال -تعالى-: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ…)، حتى قوله: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ).

تقدم الآيات مثلاً عن أعمال الكافرين وحبوطها في الآخرة، وهي تشبه في ذلك الرماد الذي تشتت بفعل الرياح القوية. توضح أنه ليس لهم نفع في الآخرة نتيجة فقدان شرط الإيمان. بعد ذلك، تشرح الآيات أحوال الكافرين وأقدارهم في يوم القيامة، مع تصوير مشهد المثول أمام الله.

الآيات (24-27)

قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء…)، حتى قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء).

تتحدث هذه الآيات عن الفرق بين الكلمة الطيبة وكلمة الكفر، حيث تُشبه الكلمة الطيبة بشجرة طيبة ثابته وفاعلة، بينما تمثل كلمة الكفر بشجرة خبيثة لا ثبات لها. هذه الصورة تعكس حال المؤمن والكافر في الدنيا والآخرة.

الآيات (28-31)

قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ…)، حتى قوله: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ).

توضح هذه الآيات أسباب ضلال الظالمين واستمراهم على طريق الكفر ونتائج ذلك. تشير إلى أهمية الشكر لله على نعمه وضرورة الاستجابة لدعوته في الصلاة والإنفاق، قبل أن يأتي يوم الحساب.

الآيات (32-34)

قال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ…)، حتى قوله: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

تقوم هذه الآيات بسرد ألوان متنوعة من النعم الإلهية، مما يدل على وجود الله وقدرته، مثل خلق السموات والأرض وتسخير كل ما ينفع الإنسان. وتشير إلى أن نعم الله أكثر من أن تُحصى، ما يحتم على الإنسان شكر الله وطاعته.

الآيات (35-41)

قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ…)، حتى قوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).

تسلط هذه الآيات الضوء على دعاء إبراهيم -عليه السلام- لله، وهو دعاء يعبر عن شكره وطلبه للفضل من الله. دعا إبراهيم أن يجعل مكة مكانًا آمنًا وأن يبعده وبنيه عن عبادة الأصنام. كما شكر الله على رزقه ولديه إسماعيل وإسحاق، وطلب المغفرة له ولذريته وللمؤمنين يوم الحساب.

الآيات (42-52)

قال -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء…)، حتى قوله: (هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).

تختتم الآيات بتأكيد وجود يوم القيامة وأحوال المعذبين فيه. تعكس الآيات أيضًا عواقب الأعمال غير الصالحة. كما توضح أن القرآن الكريم هو دليل على وحدانية الله ووسيلة للإرشاد والوعظ.

التعريف بسورة إبراهيم

تُعتبر سورة إبراهيم من السور المكية، حيث تحتوي على 52 آية، وهي السورة الرابعة عشر في ترتيب المصحف، والسورة السبعون في ترتيب النزول. سُميت سورة إبراهيم بهذا الاسم لتضمنها جزءًا من قصة النبي إبراهيم -عليه السلام- والدعوات التي وجهها إلى الله. وتفتقر هذه السورة إلى أي اسم آخر يُعرف بها.

Scroll to Top