بر الوالدين: سبيل النجاح
يُعتبر بر الوالدين موقعًا يرصّعه الفرد في حياته حين يحتاج إلى يد تُخفف آلامه وتحتضن همومه في أوقات الشدة. لطالما تم تداول أثر الوالدين وبرّهما في اللقاءات الدينية، حيث تتضح الأهمية الكبيرة لهذا السلوك وليس فقط كفعل ديني، بل كرمز للحب والعطاء الذي يُكرّمه الله للعبد في أوقات الضيق، كحال يوسف الذي أنقذه الله من البئر المظلمة.
كيف يمكن للإنسان أن يتجاهل بر والديه وهما الطريقان الممهدان للوصول إلى النجاح في الدنيا والآخرة؟ فعندما يغمره حب أمه بابتسامة دافئة لم يعرف معناها إلا هي، ثم يحاول الاستئناس بشعرها ليشعر بالأمان في هذا العالم الجديد، يتفكر عندما يكبر كيف أن جسمها قد شاخ وأصبح أكثر احتياجًا لنفس تلك اللمسات الرقيقة التي اعتاد عليها في صغره.
كيف يمكن للإنسان أن يسير نحو النجاح دون أن يستمد القوة والعزيمة من تشجيع والديه؟ فكل جهد نبذله ونحو القمة التي نرنو إليها ما هو إلا نتيجة لدعواتهم الصادقة. فالشخص الذي يسعى للفلاح يجب أن يكون مدركًا أن باب الفلاح لا يُفتح إلا من خلال الله ثم عبر بر الوالدين، اللذان يُعتبران بوابة الجنة على الأرض، ليشعر ابنهم بالأمان ويبتعد عن الشرور.
بر الوالدين: واجب أخلاقي
إذا أراد الفرد أن يكون نموذجًا أخلاقيًا يُفتخر به، فلا سبيل أفضل من بر الوالدين. كيف يمكن للإنسان أن يعيش ويبذل جهوده في فهم الأخلاق بينما هو عاق لوالديه؟ إن من يرغب في أن يُصبح قدوة لأبنائه سيتوجه بلا شك نحو بر الوالدين، اللذان قدّما تضحيات عديدة لينعم أبناؤهم بحياة هادئة.
إن بر الوالدين يتجاوز الالتزام الديني ويدعو لسمو الأخلاق في كل زمان ومكان. فيجب أن تكون محبة الوالدين في مقدمة الأخلاق، بغض النظر عن اختلافات الآراء أو المعتقدات، مما يُبرز رقي هذا الفعل الإنساني النبيل. لو سُئل أي فرد عن بر والديه، يجب أن يتساوى جوابه مع الأديان الأخرى لأنه أصل من أصول الأخلاق النبيلة.
أي مرتقى أخلاقي يستطيع الفرد أن يصل إليه دون أن يُدرك مفهوم بر الوالدين؟ فالابتسامة التي يسعى الابن لتحصيلها في حياته الدنيا بمثابة نور يسجله له في الآخرة، يكافئه الله بها ويُحيله إلى راحة روحية في دنياه.
بر الوالدين: رد للجميل
عندما يكبر الابن ويصل إلى سن النضوج، يبدأ في تأمل تضحية والديه اللذين أفنيا أعمارهم في سبيل راحته. فالدنيا تتعاقب، والأدوار تتبدل، لكن الأدوار نفسها تبقى ماضية بخطوط الزمن. كيف يمكن للوقت محو أثر معاناة والده، حتى يرتفع الابن فيصبح قوياً كالجبل؟
إن الله عز وجل جمع حقه وحق الوالدين ليبرز أهمية العلاقة بينهما. كما ذكر في سورة الإسراء: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…}. فبر الوالدين هو جزء من قضاء الله الذي لا يمكن تغييره أو إغفاله. إن الأقوال التي تُقال في حق البرّ تعكس شرف الأخلاق التي كان يمثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلم أن يتبع نهجه للنيل من خيري الدنيا والآخرة.
بر الوالدين: طاعة لا انصياع
إن الابن البار عندما يُطيع والديه، فليس ذلك باب العبودية وإنما إكرام لهما، ويكون ذلك بدافع من إحساسه بالحب والاحترام. فليس هدف الابن الوقوف كعبد، بل أن يحمل في قلبه مشاعر الإحسان والمحبة، ليكون ضياءً ينير حياة والديه في ضعفهم.
قد يسعى بعض الأبناء العاقين لتبرير تقصيرهم بأسباب واهية كفكرة عدم توافق الزمن. لكنهم يجهلون أن تجارب الآباء مليئة بالحكمة التي يتوجب عليها نقلها للأبناء. إن الابن الذي يُطيع والديه يُسهل الله له أمور حياته ويبث الرضا في أيامه.
فغاية الآباء أن يروا أبناءهم متفوقين عليهم في نظر المجتمع. قد يبدو أن طاعة الوالدين مشقة، لكن بعمق رؤيتهم ومعرفة تجاربهم، سيتبين ذلك المعنى الحقيقي للطلبات، بدلاً من اعتبارها عبئًا.
علاقة الأبناء بالآباء علاقة خالدة، تتشكل في تقلبات الحياه. يستطيع الابن أن يكون بمثابة الغيمة التي توفر الحماية لشجرة الزيتون، لكنه يجب عليه أن يقف مع نفسه بصدق ليُدرك معنى الأبوة الحقيقي. بعض الأبناء يدركون ذلك، ولكن البعض الآخر قد لا يستشعر القيمة إلا بعد فوات الأوان.
في النهاية، إن البرَّ ليس مجرد أمانٍ وإنما هو حتمية تتطلب الأفعال.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن بر الوالدين.