الأمن القومي
يحتاج الإنسان إلى العيش في بيئة آمنة ومستقرة تمكّنه من ممارسة أنشطته بحرية وراحة. ولذا، فإن الشريعة الإسلامية قد وضعت مقاصد أساسية ينبغي الحفاظ عليها، وهي: النفس، الدين، العرض، والمال. ولا يمكن لدولة أن تتقدم وتحقق الرفاهية لمواطنيها دون تحقيق الأمن والاستقرار. فما هو مفهوم الأمن القومي؟ وما هي أهميته؟
تعريف الأمن القومي
يعرف الأمن القومي (بالإنجليزية: National Security) بأنه قدرة الدولة على حماية واستمرار فعاليتها الداخلية والخارجية، بما في ذلك العسكري والاقتصادي، في جميع مجالات الحياة، لمواجهة التهديدات التي قد تواجهها من الداخل والخارج، سواء في أوقات الحرب أو السلم.
يعتمد مفهوم الأمن القومي على ثلاثة أبعاد رئيسية، وهي:
- التحديات: تشير إلى المتغيّرات أو المشكلات أو العوائق التي تواجه الدولة، والتي قد تنشأ من البيئة الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية.
- المخاطر: هي الضغوط أو الإخفاقات التي تؤثر في الظروف الدولية أو الإقليمية أو الداخلية للدولة، مما يعوق تنفيذ المصالح الحيوية ويؤثر على دورها العالمي والإقليمي.
- التهديدات: تتعلق بالقضايا الخارجية أو الداخلية التي تعيق تقدم الدولة في تنفيذ استراتيجياتها القومية، مما يؤثر بشكل مباشر على مصالحها الحيوية وقد يقود إلى زعزعة استقرار وأمن الدولة.
أبعاد الأمن القومي
البُعد الاجتماعي للأمن القومي
يعتبر الإنسان عنصراً أساسياً في الأمن القومي، حيث أنه المسؤول عن تعزيز أمانه سواء كفرد أو كجزء من المجتمع. ويجب إعداد المواطن بشكل سليم من الناحية الصحية والأخلاقية والثقافية لجعله قادرًا على تحقيق الأمن. تدور الدراسات المتعلقة بهذا البعد حول الخصائص الكمية والنوعية للسكان، مثل نسبة عدد السكان مقابل مساحة الدولة، ومعدلات النمو، والدخل القومي حصّة الفرد. يسعى هذا البعد إلى تحقيق الاستقرار المجتمعي من خلال توازن العوامل الاجتماعية والديموغرافية.
البُعد العسكري للأمن القومي
يعد البعد العسكري من أهم أبعاد الأمن القومي وأكثرها تأثيرًا، فالتهاون في هذا الجانب قد يؤدي إلى زيادة التهديدات والأخطار المحيطة بالدولة، مما قد يتسبب في انهيارها أو استسلامها لدولة محتلة. يرتبط هذا البعد ارتباطًا وثيقًا ببقية أبعاد الأمن القومي، حيث إن ضعف أحدها يؤثر على القوة العسكرية.
البُعد الاقتصادي للأمن القومي
يركز هذا البعد على تحقيق مستوى من الرفاهية والتنمية للشعوب، حيث يعتبر الأمن والتنمية مرتبطين ارتباطًا وثيقًا. تُعتبر الموارد المخصصة للأمن القومي استثمارًا وليس خسارة، حيث تدر على الدولة عوائد قيمة ومرضية.
مستويات الأمن القومي
يتكون الأمن القومي من ثلاثة مستويات متداخلة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التكامل بينها:
- المستوى الداخلي: يتعلق بحماية المجتمع من أي تهديد أو اختراق، وتعزيز الاستقرار في جميع المجالات.
- المستوى الإقليمي: يتعلق بالعلاقات الإقليمية للدولة مع الدول الأخرى.
- المستوى الدولي: هو المستوى الأعلى الذي يتناول حركة الدولة ضمن السياق العالمي.
نطاق الأمن القومي
توسّع نطاق الأمن القومي منذ بداية التسعينيات ليشمل العديد من الأنشطة الإنسانية بجانب الأبعاد العسكرية. كما أشار المفكر الأمريكي توماس برنت: “إذا كنت تريد أن تعرف سمات الأمن القومي الجديد، فلا تتحدث مع كبار الجنرالات، بل ناقش مع خبراء التكنولوجيا والاتصالات والتجارة العالمية.”
يرجع اتساع نطاق الأمن القومي إلى تنوع التهديدات التي تواجه الدول، حيث لم يعد التهديد العسكري هو الوحيد؛ بل برزت تهديدات جديدة مثل: تجارة المخدرات العابرة للحدود، والإرهاب الدولي، وتلوث البيئة، والفقر، وتفشي الأوبئة مثل الإيدز، وارتفاع مستويات الجريمة المنظمة.
الأمن القومي العربي
مفهوم الأمن القومي العربي
يعرف الأمن القومي العربي بأنه قدرة الأمة العربية على حماية إنجازاتها ومبادئها من الأخطار والتهديدات، سواء كانت تهديدات تهم بلداً عربياً محدداً أو تهديدات تؤثر على الأمة العربية ككل.
إشكاليات الأمن القومي العربي
يواجه الأمن القومي العربي عدة معوقات تعرقل تطويره وتحقيقه، ومنها:
- تشابك العناصر التي تشكل الأمن القومي مما يجعل رصدها صعبًا.
- تنوع الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل قطر عربي.
- الاستخدام المكثف لمفهوم الأمن القومي العربي بطريقة تعكس تناقضات متعددة.
- ارتباط مفهوم الأمن القومي بالحروب وتبريرات الاستعمار، مما أدى إلى قمع داخلي في العالم العربي.
- تكوين القوى الدفاعية عن طريق وسائل مستوردة، مما يؤدي لصعوبة اتخاذ القرارات السياسية لكل دولة.
- ترجيح بعض الدول الأمن القومي الخاص بها على الأمن القومي العام.
- تحول الأموال العربية للأسواق الأجنبية، وغياب التقدم التكنولوجي، وفشل برامج التنمية.
مرتكزات الأمن القومي العربي
يتطلب تحقيق الأمن القومي العربي والتنمية والرخاء توافر العديد من المرتكزات، ومنها:
- تعزيز الكرامة الاجتماعية والرخاء للشعوب، وتمكينها من إطلاق طاقاتها الكامنة.
- تأكيد استقلالية الأقطار في الجوانب الاقتصادية والسياسية، وكسب الإرادة لمواجهة التحديات والمخاطر.
- توفير الإرادة السياسية لتحقيق الأمن القومي العربي.
- تأمين الحقوق الاجتماعية والسياسية للأفراد والدولة في إطار مفهوم الأمن القومي الدولي.