حق النقض (الفيتو)
برز مفهوم حق النقض (الفيتو) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945. يُعرف هذا الحق بأنه حق خاص مُنح لخمس دول فقط من أصل خمسة عشر عضواً في مجلس الأمن الدولي. يُصنف أعضاء المجلس إلى خمس دول دائمة العضوية وعشر دول غير دائمة يتم انتخابها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كل سنتين. يحتفظ كل من الأعضاء بممثل أو مفوض دائم، ويتناوب الأعضاء على رئاسة المجلس شهرياً وفقاً لترتيب أبجدي. يتم اختيار الأعضاء استنادًا إلى معايير محددة تتضمن قدرتهم على الحفاظ على الأمن والسلام بين الدول، ويملك كل عضو صوت واحد فقط.
تعريف حق الفيتو
يعرف حق الفيتو في السياسة،حسب معجم المعاني الجامع، بأنه حق مخصوص للدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، والذي يمنحها صلاحية نقض أي قرار من قرارات المجلس، وهذا يؤدي فعلياً إلى تعطيل القرار. يُشتقُّ مصطلح “فيتو” من اللغة اللاتينية، حيث يعني الاعتراض على شيء ما. إذن، فإن حق الفيتو هو حق يسمح بالاعتراض على أي قرار دون الحاجة لتوضيح الأسباب. تم ذكر حق الفيتو في ميثاق الأمم المتحدة بصورة تعني حق الاعتراض، واستخدامه من قبل الأعضاء الخمسة يؤدي إلى إسقاط القرار أو إلغائه. الدول الدائمة العضوية هي: الصين، روسيا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وفرنسا. يكفي اعتراض إحدى هذه الدول على القرار ليتم إلغاؤه بالكامل حتى لو وافقت باقي الأعضاء الأربعة عشر.
من الناحية القانونية، يُعتبر حق الفيتو سلطة مُنحت للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مما يمنحها حرية إبطال أي قرار يتعارض مع مصالحها. من خلال تصويت الدولة السلبي على مشروع القرار، يتم إيقافه فوراً، حيث أن التصويت السلبي هو العامل الحاسم في وقف تنفيذ القرار، أما عدم مشاركة الدولة في التصويت فلا يمنع التنفيذ.
استخدامات حق الفيتو من الدول الأعضاء
بدأ استخدام حق الفيتو منذ عام 1945 بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة. حيث استخدمته موسكو 120 مرة، منها مرتان فقط في عهد روسيا الحديثة، والباقي في عهد الاتحاد السوفيتي. تم استخدام حق الفيتو من قبل فرنسا 18 مرة، في حين استخدمته المملكة المتحدة 32 مرة، وغالبًا ما كانت تتوافق مع الولايات المتحدة في بعض منها، ومرة مع فرنسا وأحياناً معهما معاً. كان من أبرز استخدامات المملكة المتحدة للفيتو دفاعاً عن روديسيا لمنع انهيارها على الرغم من انهيارها فيما بعد وإنشاء دولة زيمبابوي. أما الولايات المتحدة، فقد استخدمت حق الفيتو 77 مرة، منها 36 مرة لحماية مصالح إسرائيل. في حين أن الصين كانت أقل استخداماً للفيتو مقارنة ببقية الأعضاء، حيث بلغ عدد اعتراضاتها خمس مرات فقط.
سجلت موسكو استخدامًا مفرطًا لحق الفيتو، مما أدى إلى تلقيب وزير خارجيتها بلقب “السيد نيات” بمعنى الشخص دائم الرفض. جاء هذا الإفراط كرد فعل من موسكو على التحديات الغربية. في المقابل، رفضت الولايات المتحدة 54 قرارًا، من بينها 36 اعترضت فيها على انتقادات لإسرائيل أو مطالبات بالانسحاب من الأراضي المحتلة منذ عام 1967. في عام 1976، وقفت الولايات المتحدة ضد قرارين يطلبان منح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم، كما استخدمته لرفض إدانة إسرائيل في حادثة حرق المسجد الأقصى واغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس. وفي عام 2011، رفضت الولايات المتحدة قراراً يدين الاستيطان الإسرائيلي رغم موافقة أربعة عشر عضوًا عليه.
قواعد استخدام حق النقض (الفيتو)
يوجد تناقض واضح بين حق الفيتو وقواعد الأنظمة الديمقراطية الأخرى؛ حيث إن الدول الأعضاء الدائمة لم تُنتخب بشكل ديمقراطي، ونظام التصويت لا يتماشى مع أسلوب الأغلبية المعروف. تنص قاعدة استخدام حق الفيتو على أن لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد فقط، ومع أن عدد الأعضاء خمسة عشر، إلا أن تنفيذ أي قرار يتطلب تسعة أصوات من بينها أصوات الأعضاء الدائمين، وتُعتبر الآراء الحاسمة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين فقط نظراً لتحملهم المسؤولية في حفظ الأمن والسلام. يتم استبعاد الدول المتداخلة في النزاع المشار إليه في القرار من التصويت، كما يُشترط أن الدول غير الأعضاء التي تكون طرفًا في النزاع تستطيع المشاركة في المناقشات، لكنه ليس لديها الحق في التصويت على القرارات.
من الجدير بالذكر أن من سلبيات حق الفيتو على مستوى القضية الفلسطينية هو أنه منح الولايات المتحدة القدرة على دعم إسرائيل عبر إبطال أي قرار يدعو لوقف الاحتلال أو أعمال العنف والقتل في الأراضي الفلسطينية، مما أدى إلى التشكيك في مصداقية الأمم المتحدة على مختلف الأصعدة.
انتقادات حق الفيتو
تعرض حق الفيتو لانتقادات عديدة، حيث يرى المنتقدون أن العديد من القرارات التي يقرها مجلس الأمن الدولي لا يتم تنفيذها بسبب الفيتو. كما أن الأعضاء الخمسة الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية لا يعكسون الوضع السياسي الحالي، حيث لم تعد بريطانيا وفرنسا تمثلان قوى عظمى عسكرية أو اقتصادية كما في السابق. يدعم المنتقدون فكرة أن إلغاء حق الفيتو سيؤدي إلى تكريس الديمقراطية في المجلس، مما يسمح لرأي الأغلبية بالتفوق وبالتالي تعزيز إمكانية إصدار قرارات من شأنها حل الأزمات العالمية.
أقترحت دول عدم الانحياز في الأمم المتحدة مشروع قرار يهدف إلى تعديل بعض نصوص ميثاق الأمم المتحدة، بحيث تتماشى مع الوضع الراهن في المنظمات الدولية. تشمل التعديلات المقترحة تغيير فقرة مجلس الأمن الدولي ليصبح كأداة لتعزيز النفوذ الأمريكي، بحيث يتناسب مع الدور الرائد للولايات المتحدة التي تستخدم حق الفيتو لإبطال أي قرار يدعم جهة مستضعفة.