الحق
الحق هو أحد الأسماء الحسنى المخصصة لله، كما يظهر في قوله تعالى: (ثُمَّ رُدّوا إِلَى اللَّـهِ مَولاهُمُ الحَقِّ). يعكس هذا المصطلح معنى الثبات واليقين، ويعتبر نقيض الباطل. ومفرده هو الحق، وجمعه حقوقٌ وحِقاق. في إطار الفقه القانوني، يواجه الفقهاء صعوبة في وضع تعريف موحد للحق نظرًا لتعدد أنواعه وتنوع خصائصه، مما يجعل الوصول إلى رأي متفق عليه أمرًا صعبًا. بل إن بعضهم قد أبدى وجهات نظر تنكر وجود الحق كفكرة موجودة، معتبرين أنه مجرد ميزة أو سلطة يعترف بها القانون للشخص، فيما اتجه آخرون نحو إثبات هذه الفكرة. وقد عُرّف الحق بعدة تعريفات، من بينها أنه يمثل مصلحة يمكن تقديرها بقيمة مالية يحميها القانون، أو أنه السلطة القانونية المعترف بها لأحد الأفراد في مجال محدد.
النظريات الفلسفية في تعريف الحق
عمل فقهاء القانون على صياغة تعريفات تتعلق بالحق بناءً على خلفياتهم الفكرية. حيث ركز بعضهم على الفرد صاحب الحق، بينما اهتم آخرون بالموضوع الذي يتعلق به الحق، وبرزت اتجاهات حديثة تهتم بعنصري المصلحة والاستئثار. ومن النظريات البارزة في هذا المجال:
- التعريف الشخصي (نظرية الإرادة): يرى أنصار هذه النظرية أن جوهر الحق يكمن في كونه سلطة إرادية مخوّلة لصاحب الحق. وقد تم تعريف الحق في هذه النظرية بأنه قدرة قانونية مُعترف بها تسمح لفرد معين بالقيام بعمل معين. هذا التعريف تعرض للنقد، إذ اعتُبر الربط بين الحق والإرادة غير دقيق، حيث يمكن أن يُقرّ الحق لشخص دون إرادته، كما في حالة شخص مصاب بمرض نفسي حيث يبقى لديه الحق في ملكية منزله رغم عدم قدرته على التصرف به.
- التعريف الموضوعي (نظرية المصلحة): تعتبر هذه النظرية أن الحق هو مصلحة محمية قانونيًا، حيث يُشكل العنصر الجوهري فيها هذه المصلحة بغض النظر عن الإرادة. وفقًا لهذا الرأي، يتكون الحق من عنصرين: العنصر الموضوعي (المصلحة التي تعود بالنفع على صاحبها) والعنصر الشكلي (حماية القانون من خلال الدعاوى القضائية). تم انتقاد هذه النظرية لأن تعريف الحق وفقًا لغايته يعتبر غير منطقي، وأيضًا لأنها اعتبرت المصلحة معيارًا لوجود الحق.
- المذهب المختلط (الحق قدرة ومصلحة): يجمع أنصار هذه النظرية بين الإرادة والمصلحة. بينما يتفقون على إدماج هذين العنصرين، فإنهم يختلفون في تعريفهم للحق. بعضهم يقدّم الإرادة على المصلحة، بينما آخرون يعتبرون المصلحة هي الأساس. تعرضت هذه النظرية أيضًا للنقد بسبب اعتمادها على نظريتين تم انتقادهما.
- النظرية الحديثة (نظرية دابان): قام دابان بدراسة النظريات المختلفة واستخلص تعريفًا جديدًا يعتبر الحق استئثارًا بميزة معينة يمنحها القانون للإنسان مع حماية تلك الميزة. يرتكز هذا التعريف على ثلاثة مبادئ:
- الاستئثار بقيمة معترف بها، سواء كانت مالية أو غير مالية.
- حماية القانون الشرط الأساسي للاعتراف بالحق.
- ضرورة أن تكون المصلحة المستهدفة جديرة بالحماية من قبل القانون.
من المهم ملاحظة أن هذه النظرية أيضًا تواجه الانتقادات، حيث اعتُبر الحق على أنه مجرّد ميزات تحمل معنيين هما القدرة والمصلحة، بالإضافة إلى اعتباره الحماية كعنصر أساسي، مما يكرس التشابه بينها وبين نظرية المصلحة.
أنواع الحقوق
قسم الفقهاء الحقوق إلى عدة تصنيفات، حيث لم تكتسب جميعها أهمية متساوية، كما كانت معظم هذه التقسيمات متداخلة. ومن أنواع الحقوق:
- الحقوق السياسية: تُعنى هذه الحقوق بالأفراد المنتمين إلى جماعات سياسية، وتتيح لهم المشاركة في إدارة الدولة، مثل الحق في التصويت والترشح للانتخابات العامة.
- الحقوق اللصيقة بالشخصية: تُعرف هذه الحقوق أيضاً بالحقوق الشخصية، المرتبطة بأفراد بصفتهم إنسانًا، بغض النظر عن جنسيتهم، مثل الحق في الحياة وسلامة الجسد.
- حقوق الأسرة: تشمل هذه الحقوق ما يخص العلاقة بين الأفراد في إطار الأسرة، مثل حقوق الزوجين والأب تجاه الأبناء، حيث تفترض أن تُقابل هذه الحقوق بواجبات معينة.
- الحقوق المالية: تنقسم إلى حقوق عينية وحقوق شخصية، حيث حقوق العين تمنح الشخص السيطرة المباشرة على شيء معين، بينما الحقوق الشخصية تشير إلى الروابط القانونية التي تسمح لأحد الأطراف بمطالبات مادية تجاه الطرف الآخر.
- الحقوق الذهنية: تُعرف بحقوق الملكية الفكرية، وتشمل الحقوق القانونية المتعلقة بالأفكار والإبداعات غير المادية.
الفرق بين الحق والرخصة
قد يحدث تلبيس بين مفهومي الحق والرخصة، إذ يعتبرهما البعض مرادفين. الرخصة تعني الإباحة لأداء الحريات العامة مثل حرية العمل والتملك. بينما الملكية نفسها تُعتبر حقًّا. على سبيل المثال، حرية التملك تعتبر رخصة، بينما حق الملكية يُعتبر حقاً مستقرًا.
من المهم أيضًا الإشارة إلى وجود منطقة وسطى بين الحق والرخصة، وذلك عبر حق الشخص في التعبير عن الرغبة في التملك، مثل رؤية منزل معين والرغبة في شرائه. في هذه المرحلة، يملك الشخص الحق العام في تملك المنزل، ولكن يصبح هذا الحق فعليًا عند إتمام صفقة الشراء. تختلف هذه المرحلتين عن بعضها في إطار الحقوق والرخص.