قصيدة: الشكر والوداع
كتب معروف الرصافي:
أعطني لسانًا، أيها الشعر، لتعبّر عن الشكر
وإن لم تستطع الشكر، فلا جدوى من وجودك في الشعر
وأنا بحاجة إلى نور الشمس والقمر لأرى
بمَغزاك، يظهر نور الشمس والقمر.
دار حول أزهار الحدائق تطيبًا
كما يدور الفراش حول الزهور.
ارتقِ لمقام الشكر وانشر رايته
على عمودٍ خذ من بزوغ الفجر.
فإن لبيروت حقًا كبيرًا
عليَّ، فاجهر يا شعر بمدحي في الشكر.
فقد عشتُ في بيروت ليالي لا تُنسى
ورَبّي، لم أظن سواها طوال حياتي.
وقضيتُ أيامًا، وإذا ذكرتها
غفرت الذنوب التي مرت في حياتي.
لئن كنتُ مذنبًا في بغداد، يا زمان،
ففي بيروت عليك من الأعذار الكثير.
استفدت من دروس المكارم بها مُعجبًا
من كل صاحب نفس سامية، ذو خلق حر.
قصيدة: ميراث أم معبد
قال دريد بن الصمة:
إنه حديثٌ عن ميراث أم معبد
تبتعد الأحداث وتخلف الوعود.
ظهرت دون أن أنعم لك بنوالها
ولم تترجى أبدًا مواعيد الغد.
من الخفارات، لا تسقط خمارها
إن ظهرت ولا خروج للمقيد.
وقد قابلت جميع مشاعر المحبين
إلا أنني لم ألق حتفي عند مرصد.
لم أنهزم خفية، ولم أمُت
في خفاء، وكلٌ ظنني عدوي.
كأن حمول الحي حين أشرقت الضحى
تظهر بسمة الشجاع في استدارة حادة.
أو كالأسود المعتدل الذي يجري
لا يُضرب ولا يُصدم.
لا تعجلي، أيتها المعاتبة، في لومك، واصلي
وإن كان لديك علم الغيب، فوجهيني.
أيتها المعاتبة، كل إنسان وولده
عبرٌ كزاد الراكب في سفرٍ.
أيتها المعاتبة، إن الحزن في مثل خالدٍ
ولا حزن فيما يأخذ المرء بيديه.
وقلت لعارضٍ، ومع أصحاب عارضٍ
ووزراء بني السوداء والقوم شهود.
علانيةً ظنوا بأنهم مثل ألفٍ مدججٍ
سراهم في الفارس يلبسون الدروع.
وقلت لهم: إن الحلفاء قد أصبحوا
يتنافسون على ما خلف الستور.
فما لبثوا حتى رأوها مُغيرةً
كأقدام الوحوش في كل ربع وفرد.
وعندما رأيت الخيل، ظننت أنها
جرادٌ يتسابق مع وجه الريح نحوها.
أمرتُهم بأن يتجهوا إلى مُنعطف اللّوى
فلم يتبينوا النصيحة إلا في ضحى الغد.
وعندما كانوا حولي، كنت منهم وقد رأيت
غوايتهم وأنني لست مُهتدي.
وهل أكون إلا من غزية إن غوت
غويت، وإن ترشد غزية أرشدتني.
دعاني أخي، والخيل بيني وبينه
ولما دعاني، لم يجدني في مقعد.
أخي، أرضعتني أمه بلحظاتها
بثديٍ كالشهد حيث لا يُجدّد.
فجئت إليه والرماح تنوشه
كوقع السنابل في النسيج المستمر.
وكما قردت البقرة المُسقى تقدمت
إلى جلدٍ من مسكٍ محكمٍ.
فطاعنت عنه الخيل حتى تنحنحت
وحتى وظعتني الظلمة الساكنة السوداء.
قصيدة: السيف أصدق من الكتب
قال أبو تمام:
السيفُ هو أصدق الأنباء من الكتب
في حدهِ الحد بين الجد واللعب.
بيض الصفائح لا سواد الصحائف في
مُتونها تجلو الشك والريب.
والعلمُ في شهب الرماح لامعةً
بين الخمستين، لا في السبع شهبي.
أين الرواية، بل أين النجوم، وما
صاغوه من زُخرُفٍ فيها ومن كذب.
تخرصًا وأحاديثًا مُلفقةً
ليست بنبعٍ إذا عُدّت ولا غيدب.
عجائبًا زعموا الأيام مُجفلةً
عنهُنّ في صفَر الأصفار أو رجب.
وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ
إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب.
وجعلوا الأبراج العليا مرتبةً
ما كان مُنقلبًا أو غير مُنقلبٍ.
قصيدة: ليت ريعان الشباب جديد
قال جميل بثينة:
ألا ليت ريعان الشباب جديدٌ
ودهرًا مضى، يا بثينة، يعود.
فنستمر كما كنا نكون وأنتم
قريبون، وإذا ما تبذلين زهدٌ.
وما أنسى من الأشياء لا أنسى قولها
وقد قُرّبت نضوي، أَمِصرَ تريد.
ولا قولها: لولا العيون التي ترى
لزُرتُك، فاعذري، فديتك جُدُود.
خليلَيَّ ما ألقى من الوجد باطنٌ
ودمعي بما أُخفي البارحة شهيد.
ألا قد أرى، والله، أن ربَّ عبرةٍ
إذا الدار شطت بيننا ستزيد.
إذا قلت ما بي، يا بثينة قاتلي
من الحب، قالت: ثابتٌ ويزيد.
وإن قلت: رُدّي بعض عقلي أعيش به
تولى وصارت ذلك منكَ بعيد.
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالبًا
ولا حبها فيما يكون مرايدٌ.
قصيدة: تفشي يداك أسرار الأغماد
قال ابن حمديس:
تُفشي يداكَ أسرار الأغماد
لقطف هامٍ واختلاء هادٍ.
إلا على غزوٍ يُبيد به العُدى
لله من غزو له وجهاد.
وعزائم ترميهم بضراغمٍ
تستأصل الآلاف بالآحاد.
من كل ذمرٍ في الكريهة مقدامٍ
صائل لحَرّ سَعيرها الوقاد.
كسنان مخممةٍ وقسور غيضةٍ
وعقاب مَرْقبةٍ وحية وادٍ.
وكأنهم في السابغات صوارمٌ
والسابغات لهم من الأغماد.
أسدٌ عليهم من جلود أراقمٍ
قمصٌ أزرّتها عيون جراد.
ما صون دين محمدٍ من ضيمهِ
إلا بسيفكَ يوم كل جدالٍ.