كيفية تعامل الرسول مع غير المسلمين

الدعوة إلى الإسلام

كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على دعوة كفار قريش إلى اعتناق الإسلام، ورغم معاناته من كفرهم وعنادهم، لم يتردد في تكرار دعوته لهم مباشرة، متوقعًا الأذى من جهتهم. وقد دعا أقاربه في البداية بعد أن نزلت الآية الكريمة: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.

فور نزول الآية، بدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بدعوتهم، حيث روي أنه اعتلى جبل الصفا ونادى بأسماء بعض من أقاربه قائلاً: (يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا، أسألوني من مالي ما شئتم).

ثم أنزل الله -تعالى- قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، حيث يعني “اصدع” هنا أن يجهر بدعوته ويعلنها أمام الناس. وقد عانى -عليه الصلاة والسلام- ألم عدم استجابة الناس، مما استدعى نزول قوله -تعالى-: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، مما يدل على أن حرصه الكبير على هدايتهم قد يكون له عواقب خطيرة.

عُرف النبي -صلى الله عليه وسلم- باستخدامه أفضل الأساليب الدعوية لإقناعهم بضرورة الإسلام، استنادًا لما جاء في قوله -تعالى-: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. إذ استخدم -عليه الصلاة والسلام- الحكمة والكلمة الطيبة والصبر الطويل والمواعظ المعبرة، عسى أن تؤثر دعوته في قلوبهم.

الصبر على أذى الكفار

تحلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر عند مواجهة الأذى الشديد من الكفار. بل، أرسل الله -تعالى- له ملك الجبال للانتقام من أهل مكة. وقد قال جبريل -عليه السلام- له: (إنَّ الله قد سمع قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت). وكان الملك يقترح عليه أن يطبق الجبال على أهل مكة.

مع ذلك، وبالرغم من المعاناة الكبيرة، اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- الصبر طمعًا في هدايتهم، مؤكدًا: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له).

حتى عندما رفضت قبيلة دوس دعوته، لم يدع لهم بل دعا لهم بالهداية، ومثلما قال: (اللهم اهد دوسًا وائت بهم). وفي مواجهتهم للأذى، كان -عليه الصلاة والسلام- دائمًا يشجع المسلمين على الصبر، قائلاً: (صبرًا آل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنة).

الوفاء بالعهد

كان لدى العرب والعجم الدراية بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينقض العهد ولا يغدر. ويمكن رؤية ذلك في حواره مع هرقل، حيث أكد أبا سفيان أن رسول الله لا يغدر. وقد أظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- حرصًا كبيرًا على الالتزام بالعقود التي بينه وبين الكفار، وعدم استخدام أذيتهم كذريعة لانتهاك العهود.

في صلح الحديبية، التزم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعهد مع قريش على الفور، دون تأخير، رغم أن الاتفاق كان يقضي بإرجاع من أسلم إليهم. وعندما جاء أبو جندل بن سهيل إلى المسلمين وهو مقيد، أصرّ سهيل على إرجاعه، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ملتزمًا بالعهد ورده.

كان -عليه الصلاة والسلام- وفياً لكل من أسهم في خدمة الإسلام، حتى لو كانوا من المشركين، كما يتضح من قوله في أسارى بدر: (لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم كلمني في هؤلاء النتن، لتركتهم له).

القتال عند الغدر والخيانة

رغم حرصه على إسلام الكفار، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخذ إجراءات صارمة عند غدرهم أو خيانتهم. فقد حارب بني قريظة بعد نقضهم للعهود خلال غزوة الخندق وأخبر: (لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة).

كما واجه -صلى الله عليه وسلم- الروم في غزوة مؤتة بعد أن نقضوا مواثيقهم فيما يتعلق بحماية الأسرى. ووجه -صلى الله عليه وسلم- القتال ضد يهود بني النضير، الذين غدروا به، حيث حاصرهم وأجبرهم على الخروج نتيجة خيانتهم.

العفو والصفح عنهم

اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- العفو والمسامحة عند تعامله مع الكفار، حتى في أوقات قوته. وعندما دخل مكة في يوم الفتح، لم يلجأ إلى العنف أو انتقامه من قريش التي أخرجته، بل سألهم ما يعتقدون أنه سيفعل بهم.

تلقوا منه ال assurance أنهم سيجدون منه معاملة كريمة، حيث قال لهم: أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ)، ثم أطلق سراحهم قائلاً: “اذهبوا، أنتم الطلقاء”.

Scroll to Top