فهم الأسلوبية النفسية
يُعرف العالم ميشال ريفاتير الأسلوبية بأنها: “علم يسعى إلى إبراز العناصر التي تهم القارئ في النصوص الكلامية، والتي يمكن للمؤلف من خلالها مراقبة مدى حرية إدراك القارئ.”
ويعتقد بعض اللغويين أن الفهم الأدبي للأسلوب يعكس “إبداعًا أدبيًا يركز على دراسة الأسلوب من منظور لغوي، وهو أمر لا يمكن قياسه على الإطلاق، حيث يأتي بعد الأسلوب الذاتي ويعمل على التمييز بين اللغة والكلام.”
تسعى الأسلوبية إلى الوصف، وليس التفسير أو الشرح. فهي تحتضن حياة الكاتب، بيئته، تربيته، أفكاره، معتقداته، وجهات نظره إزاء القضايا، وانفعالاته. ومع ذلك، تبقى الطاقة الإبداعية للكاتب محور الاهتمام، حيث تركز الأسلوبية على الخصائص التعبيرية للنص، سواء كان ذلك في الصوت أو التركيب أو الدلالة.
يمكن القول إنّ الأسلوبية تعمل كرافد موضوعي يغذي النقد الأدبي، حيث تقدم بديلاً تجريبيًا يحل محل الانطباعات العامة، مما يساهم في تقوية الأسس النقدية. وبالتالي، تعتبر دعامة أساسية في جميع الممارسات النقدية.
اتجاهات الأسلوبية
يمكن تحديد اتجاهين رئيسيين في دراسة الأسلوب المعاصر: الاتجاه الجماعي الوصفي (أسلوبية التعبير) والاتجاه الفردي (الأسلوبية التأصيلية أو التكوينية). وتكمن السمة العامة للأسلوبية التعبيرية الوصفية في طرح سؤال: كيف؟ بينما تسعى الأسلوبية التأصيلية للإجابة عن أسئلة مثل: من أين؟ ولماذا؟
تقود هذه الأسئلة الباحث وتحدد مسار بحثه وفقًا للمدرسة التي ينتمي إليها، واهتماماته التاريخية أو الاجتماعية أو النفسية أو الأدبية. ومن هنا، تظهر الأسلوبية النفسية الاجتماعية كأحد الاتجاهات المهمة للأسلوبية التأصيلية.
الأسلوبية النفسية الاجتماعية (سيكولوجيا الأسلوب)
يعتبر الباحث الفرنسي “هنري مورير” أن سيكولوجيا الأسلوب تمثل رؤية المؤلف الخاصة للعالم، التي يمكن استكشافها من خلال أسلوبه. ويعتمد اكتشاف هذه الرؤية على وجود خمسة تيارات رئيسية تتحرك داخل “الأنا العميقة”، وهي: القوة، الإيقاع، الرغبة، الحكم، والتواصل.
يمكن أن يظهر كل تيار من هذه التيارات بطريقة إيجابية أو سلبية. فالقوة قد تتراوح بين الشدة والضعف، والإيقاع يمكن أن يكون متناسقًا أو غير متناسق، والرغبة قد تكون صريحة أو مكبوتة، بينما الحكم قد يكون متفائلاً أو متشائمًا، والتواصل قد يظهر واثقًا أو مترددًا.
الناقد الأسلوبي
يتوجب على الناقد الأسلوبي أن يكون قادرًا على الاستجابة للأعمال الأدبية التي يدرسها، فلا يمكنه تحليل عمل لا يتمتع بتذوقه. إن مهمة الناقد الأسلوبي تكمن في تحديد العلاقة بين التعبير والشعور.
كما تجدر الإشارة إلى منهج “سبستر”، الذي يعتبر من أكمل المناهج الأسلوبية، حيث يعتقد أن النقد ينبغي أن ينبثق من العمل نفسه. على الناقد ألا يستند إلى وجهة نظر مسبقة أو فكرة خارجية، بل يجب أن يُعتبر كل عمل أدبي وحدة شاملة، تتوسطها روح مؤلفها. وبالتالي، يجب أن يكون علم الأسلوب نقدًا متعاطفًا (بالمعنى الشائع)، إذ ينبغي إعادة فهم العمل الأدبي من داخله وبشكل كلي، مما يتطلب تعاطفًا مع النص ومؤلفه.