حضارة النوميديين
على مر العصور، ازدهرت العديد من الحضارات، لا سيما خلال فترات ما قبل الميلاد. ومن بين هذه الحضارات، برزت الحضارة الرومانية التي كانت ذات تأثير واسع. في شمال إفريقيا، طورت حضارة النوميديين، المعروفة أيضاً بالحضارة الأمازيغية، والتي امتدت عبر تونس والجزائر وليبيا وصولاً إلى المغرب. وعند الحديث عن النوميديين، يستدعي الأمر ذكر شخصية بارزة في تلك الحضارة، وهي الملك يوغرطة، الذي قاد صراعاً طويلاً ضد الرومان. فكيف كانت مسيرة الملك يوغرطة؟
الملك يوغرطة
اسم “يوغرطة” هو كلمة أمازيغية تعني “كبير القوم” أو “الملك”. يعد يوغرطة رمزاً بارزاً من رموز الحضارة النوميدية، حيث وُلد في عام 160 ق. م. في مدينة سيرتا (التي تُعرف اليوم بقسنطينة في الجزائر)، والتي أسسها الملك ماسينيسا. كان لدى الملك ماسينيسا ابنان هما الملك مكيبسا، عم يوغرطة، ومستنبعل، والد يوغرطة، الذي نشأ خلال فترة حكم مكيبسا. انتهت حياة يوغرطة في عام 104 ق. م.
تميّز الملك يوغرطة بالذكاء والقدرة الفائقة على العمل، بالإضافة إلى بنيته القوية الناتجة عن تدريباته في ركوب الخيل والمبارزات. وكان يوغرطة يمثل خصائص القائد الناجح، ولذلك قاد العديد من الحملات العسكرية ضد الاحتلال الروماني خلال فترة استيلائهم على نوميديا.
صراع يوغرطة مع الرومان
احتلت روما الجزء الشمالي من قارة إفريقيا، وشهدت نوميديا توحدها خلال حكم الملك المؤسس. لكن مع الغزو الروماني، سقطت نوميديا تحت السيطرة الرومانية. كانت هناك علاقات وثيقة بين شيوخ روما وملك نوميديا مكيبسا، عم يوغرطة، مما أثر على مكانة يوغرطة بين المواطنين ومنحه تأثيراً. هذا الأمر أثار غضب عمّه.
مع وجود تحالف بين نوميديا والرومان، تم إرسال يوغرطة للمشاركة في حصار إسبانيا أو نومانتيتا، مما أدي لزيادة دعم شيوخ روما له. وعندما تولى يوغرطة الحكم، كان يسعى لتحقيق حلمه في توحيد نوميديا مرة أخرى، مما دفعه لقيادة العديد من الحملات ضد السيطرة الرومانية. استمرت مقاومة الأمازيغ ضد الرومان لمدة سبع سنوات، ووسط هذه الأجواء، قُتل الملك يوغرطة غدراً على يد والد زوجته الذي أيقع به في كمين، ليُسلم بعد ذلك إلى الملك الروماني ماريوس سولا.
يعتبر يوغرطة مثالاً يحتذى به للمقاومة ضد الاحتلال؛ فخلال نقله إلى روما لتسليمه، قام الحراس بقطع أذنيه بحثًا عن الذهب الذي كان يعلقهما. وتوفي يوغرطة في زنزانته نتيجة جراحه.