تحليل قصيدة باستخدام المنهج التفكيكي

ما هو تحليل القصيدة وفق المنهج التفكيكي؟

يمكن تلخيص مفهوم التحليل التفكيكي للنصوص الشعرية بالنقاط التالية:

  • يشير مصطلح التفكيكية إلى العملية

التي يتم من خلالها دراسة النص الشعري ونقد الأسس التي يقوم عليها، بهدف الكشف عن الدلالات التي قد تكون غائبة عن ذهن الكاتب، من خلال استحضار معاني غير واضحة في المفردات اللغوية وإعادة تقييم مركز النص. يعتمد المنهج التفكيكي في تحليل القصائد على تفكيك الأفكار والبنية الفكرية والخطابات للوصول إلى المعنى العميق الذي قد يكون مدفوناً عبر إعادة النظر في النص.

  • تعبر التفكيكية عن العلاقة الأثارية بين النقد والأزمة

وهو نهج يكشف عن حقيقة أن التغيير المزلزل في الفكر التفسيري يبرز التحديات؛ فالعقل البشري يجبر صاحبه على الدخول في مجالات الشك وعدم التسليم بمضمون النص، مما يجعله غير محدد ولا يحمل هوية ثابتة. هذا التغير يؤدي إلى تطور تفسيرات متعددة بوجود قراء مختلفين، مما يولد أزمة نقدية.

  • تمثل التفكيكية منهجًا لقراءة النصوص الشعرية والنثرية

التي غالبًا ما تسودها صفات التقديس، مما يسمح بتهدمها وإعادة تشكيلها بالاعتماد على اللغة المستخدمة والرموز والاستعارات. يقوم المحلل بتجزئة النص إلى عناصر صغيرة تشمل الألفاظ والتراكيب والرموز والصور الفنية والخطاب الأدبي والبيئة التي نشأ فيها النص، ومن ثم العمل على إعادة بنائه من جديد لكي تتكون صورة جديدة.

  • يتضمن التفكيك قراءة النص تحت تأثير عوامل مرتبطة بالقارئ

من حيث المستوى الفكري والنفسي والعاطفي، حيث لا يمكن فهم النص الشعري وفقًا للمنطق التفكيكي دون مراعاة تأثير القارئ. إذ يمكن للقارئ تسمية النص كما يشاء وتفسيره من منظور شخصي، مستحضراً الغياب من ذاته، وقد يكون تجسيداً لما هو مكبوت في أعماق الهوية الشخصية بعيدًا عن الكاتب ولكنه متماشيًا مع وجهة نظر القارئ.

طرق تحليل القصيدة وفق المنهج التفكيكي

يعتمد المنهج التفكيكي على التعمق في مكنونات النص والبحث في خفايا المعاني، في سبيل استخدامه كأداة نقدية أو كفضاء فكري متجدد يختلف في أسلوبه ورؤيته للنص المقروء، من خلال ما يلي:

تحديد دور القارئ

يلعب القارئ دورًا رئيسيًا وحيويًا في التحليل التفكيكي للنص الشعري؛ حيث يعمل على فك النص وإعادة تشكيله اعتمادًا على معطيات تفكيره وثقافته، وتكون الآليات المستخدمة في إعادة البناء متغيرة تمامًا عن تلك التي استخدمها الكاتب. مما يعني أن دلالات ومعاني جديدة ستظهر، وفي هذه المنهجية يمتلك القارئ حرية مطلقة في إنهاء المعاني سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، وبالتالي فهو المسؤول عن إنتاج المعنى.

يمكن للقارئ في هذه المنهجية أن يكتشف معاني الكلمات في النص الشعري ويعيد صياغتها من خلال النقد والتفكيك؛ فالتعامل مع النص يعتمد على استقلالية القارئ دون تأثير من سلطات الكاتب، التاريخ، أو السياق. لذا، يعتبر أساس المنهج التفكيكي محو المعاني المعروفة لتبقى معاني جديدة.

النظر في الاختلاف

يوجه المحلل في المنهج التفكيكي انتباهه نحو الاختلافات الناتجة عن دلالات النص وما تخلقه من تفسيرات متعددة. يعتمد هذا التقصي على عنصرين رئيسيين هما: التناقض أو التأبين، والتجاهل أو التأجيل، مما يمكن المحلل من التحرر من المراجع التقليدية في تفسير المعاني والصور والاعتماد على رؤيته الذاتية النهائية. إذ تجرى الكلمات في النص الشعري إلى معانٍ مختلفة حتى يصل القارئ أو الناقد إلى تفسير نهائي.

تمركز النقاش حول الكلمات أو العقل

ترتكب النصوص على المعاني اللغوية أو الفكرية أو الوجودية بشكل شخصي، وهذا المنطق مبني على تحليل الأشياء، مما يمنح شرعية للخطابات أو النصوص عبر إثبات صحة المعاني وامتلاك الحقيقة. إذ يتيح التمركز حول الكلمات أو العقل حرية الرؤية واستخلاص المعاني وفقًا لقدرة القارئ، بحيث تتواصل الكلمات في النص الشعري ضمن ثلاثة مجالات هي:

  • مجال اللغة

بما يتضمنه من معانٍ عبر التعبير واللفظ والوصف.

  • مجال الفكر والعقل

وما يشمل من عمليات عقلانية وتحليلية وتفسيرية.

  • المجال الحسي

الذي يحتوي على المشاعر والتأملات والأحاسيس التي يمكن التعرف عليها والإفصاح عنها.

تمتاز مركزية الكلمات أو العقل بصفة إنسانية خاصة، حيث يعتبر المحلل أو القارئ الوحيد القادر على اكتشاف المعاني والمفاهيم المتعلقة بالنص بهدف الوصول إلى حقيقة جديدة مدفونة. وعلى هذا، فإن السلطة الحاضرة للكلمة في النص الشعري ليست ذات أهمية كبيرة؛ عملًا لذلك تكون عملية استخراج المعنى إما جادة أو هزلية، بمعنى أن الحرية دائمًا ما تكون بيد القارئ.

تحليل التناص

يعدّ تحليل التناص وسيلة لهدف تجريبي نقد النص الشعري للكشف عن الأماكن المعقدة والتداخلات الممكنة. من خلال التناص يمكن للقارئ والمحلل في المنهج التفكيكي اقتباس مجموعة كبيرة من الأفكار والنصوص المختلفة، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من البنية المتسقة للنص، وهو وسيلة تمنح القارئ إمكانية الإبداع من خلال ربطها بموروثه الأدبي وتوسيع الصورة الحالية.

التناص هو المنهج الذي يسمح للقارئ والمحلل برؤية النص الشعري من منظور مختلف عن الأساس الذي انطلق منه؛ وذلك يتضمن اقتباسات وعملية استيعاب وتحويل نصوص أخرى عُبرت عن النص الحالي، مما يؤدي إلى قراءة خطابيات جديدة داخل النص الشعري غير الظاهرة عبر فهم المدلولات الغامضة.

نموذج لتحليل قصيدة وفق المنهج التفكيكي

سوف نقوم بتحليل قصيدة “وجدت الحياة طريق الزمر” للشاعر أحمد شوقي وفقًا للمنهج التفكيكي.

ظروف النص

في خضم ما عاناه الإنسان عبر العصور الماضية من صعوبات ومتاعب نتيجة الحروب والتطور، برز الجهل والفقر. لذا، قدم المفكرون رسائلهم للنهوض بالإنسان من وهدة التبعية، سواء كانت في مجالات اقتصادية، أو علمية، أو سياسية، أو اجتماعية.

أنشأ أحمد شوقي نصه الشعري ليعكس أفكاره ومعانيه، معبرًا عن تجربته الحياتية، محاولًا إحياء القيمة الحقيقية للحياة لدى الجيل الناشئ، الأمر الذي يتكرر إلى يومنا هذا، حيث يرغب القارئ في الغوص في عوالم القصيدة واستكشاف التاريخ المتكرر.

البنية المعمارية للعناوين

يعبر عنوان القصيدة “وجدت الحياة طريق الزمر” بوضوح عن الفهم الشخصي للشاعر نحو معاني الحياة، لكنه يوقف القارئ على حقيقة أن المعنى غير مكتمل، حيث يكمن وراءه الكثير من الغموض. وطبعًا، قد يكون الهدف من ذلك هو استدراج شوقي للقارئ للإبحار في عوالم أدبية عميقة من أجل الوصول إلى المعاني الغائبة.

البنية المعمارية للنص

قسم الشاعر القصيدة إلى ثلاثة أجزاء كما يلي:

الجزء الأول

وَجَدتُ الحيَاة َطَريقَ الزُمَر

:::إلى بَعثةٍ وشؤونٍ أُخَر

وما باطِلًا ينزلُ النازِلون

:::وَلا عبثًا يُزمِعونَ السَفَر

بدأ الشاعر بالحديث عن حقيقة الحياة، حيث يدل قوله “وجدت الحياة” على الجهد المبذول الذي نتج عن تجارب وخبرات متعددة. يُظهر للقارئ معنى الحياة الباطني، متجاوزًا الإشارات إلى الهزل أو اللغو، في إشارةٍ محتملة لطبيعة المجتمع وطبيعة الحياة التي تعكس البداوة.

يتبع ذلك قوله “وما باطلًا ينزل النازلون” ليشير إلى الأنبياء والرسل، مؤكدًا أنهم ليسوا بعاطلين أو عبثيين في رسالتهم، مما يقيم مقارنةً بين تأثير الحياة على الأفراد العاديين والعظماء.

الجزء الثاني

فَلا تَحتَقِر عالَمًا أَنتَ فيهِ

:::ولا تَجحَدِ الآخَرَ المُنتَظَر

وخُذ لك زادَين من سيرةٍ

:::ومِن عملٍ صالحٍ يُدّخر

وكن في الطريق عفيف الخطا

:::شريف السماع كريم النظر

في قوله “فلا تحتقر عالمًا أنت فيه ولا تجحد الآخر المنتظر”، يدعو شوقي إلى التقدير الحقيقي لقيمة الذات والاعتناء بالنفس. حيث تعكس العبر الأساسية في الحياة الأهمية المتوقعة للعمل الصالح وتأثيره في الأمن والاعتزاز بالحياة.

يُقدم بعد ذلك عبرة للزمن الحاضر؛ حيث تحتاج المجتمعات اليوم إلى العفة والتميّز في السلوكيات.

الجزء الثالث

وَلا تَخلُ من عَمَل فوقه

:::تَعش غَيَر عَبدٍ ولا مُحتَقَر

وكُن رَجلًا إن أتوا بَعدَهُ

:::يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر

يبدو أن شوقي يُحذّر في الشطر الأول من البيت الأول من التبعية الاقتصادية، فليس المقصود بالأفراد فقط، وإنما يتعدى ذلك ليشمل المجتمعات والدول. ويؤكد على أهمية الأثر الإيجابي الذي يتركه كل إنسان على مر الزمن.

تأتي كلمة “رجل” في الشطر الأول من البيت الأخير في مفهوم شامل، حيث تشير إلى الجميع، سواء الذكور أو الإناث، وتؤكد على قيمة العمل وآثاره التي تراها الأجيال القادمة.

الخصائص الفنية للقصيدة

تمكنت المقاطع الشعرية عند شوقي من الانضباط في الشكل العمودي، وهي على البحر المتقارب، في حين استخدم لغة بسيطة وأسلوب حواري واضح، وملائم لقرائه. أما عن التصوير الفني، فقد استخدم شوقي الاستعارة المكنية التي تبرز في تحليله قائلاً: “وجدت الحياة طريق الزمر”، حيث يشبه الحياة بصديق السوء.

استعمل أيضًا التشبيه حين قال: “وخذ لك زادين من سيرة ومن عمل صالح”، حيث يشبه السيرة الصالحة والزروع الجيد بالزاد الذي يصون صاحبه في وقت الأزمات.

خلاصة القول، إن المنهج التفكيكي قائم على تجارب القارئ الخاص وفهمه، للدلالات التي قد تختلف عن المعاني الحقيقية التي قد يقصدها الكاتب. يتم الاعتماد على فهم النص وفق رؤية القارئ واستخراج الاختلافات الممكنة التي تحملها الكلمات والنصوص الأدبية.

Scroll to Top