تفسير الآية المتعلقة بالخوف من الله وكبح الهوى النفساني

تفسير الآية (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)

تعتبر هذه الآية من الآيات القيمة التي تحمل معاني واضحة، إذ تشير إلى أنه من يخشى الوقوف أمام الله -سبحانه وتعالى- وينهي نفسه عن اتباع شهواته، فإن جزاءه سيكون الجنة. تميل النفس بطبيعتها إلى المعاصي مثل شرب الخمر والربا، لكن من يمتنع عنها ويساعد نفسه على الابتعاد عنها، سيفوز في النهاية بالجنة. إن من يوفقهم الله -تعالى- لمجاهدة أنفسهم وعدم الاستجابة لميولهم سيكون لهم الأجر العظيم.

وقد ذكر مُجاهد في تفسيره لهذه الآية أن العبد قد يهوى المعصية، ولكنه يتذكر مقام الله -تعالى- عليه في الدنيا ومكانه بين يديه في الآخرة، مما يجعله يترك المعصية ويمتنع عن ما حرم عليه. كما جاء في تفسير النسفي أن العبد يدرك أنه سيقف أمام الله -تعالى- للمحاسبة، ولذلك يقوم بزجر نفسه عن المعاصي والشهوات المحرمة، وقال البعض إن العبد عندما يهم بالمعصية يتذكر مقامه للحساب يوم القيامة فيتركها.

سبب نزول آية (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)

روى الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن سبب نزول هذه الآية وما بعدها جاء في قوله -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى). وارتبط هذا بقصة أخ مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه- عندما أُسر يوم بدر، حيث استجوبه الأنصار عن هويته وأجابهم بأنه أخ لمُصعب بن عُمير، فرحبوا به ولم يشدوا وثاقه.

وعندما علم مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه- بما حدث، طلب منهم أن يشدوا وثاقه ويذهبوا إلى والدته، لأنها أكثر أهل البطحاء مالًا وكنزًا، فاستجابوا له وذهبوا لمطالبتها بفديه. وكان مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه- هو من يخشى مقام ربه، إذ دافع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة أحد حتى نفدت سهامه، وعندما رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومصاب بجراحه قال له: “عند الله أحتسبك.”

كما أورد ابن عباس -رضي الله عنه- أن هذه الآية نزلت في حق أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي كان خائفًا من مقام ربه، حيث كان له غلام يحضر له الطعام ويسأله عن مصدره. وفي أحد الأيام، أحضر له الطعام دون أن يسأله، وعندما سأله لاحقًا، ذكر له أنه تكهن لقومٍ في الجاهلية وأعطوه الطعام، فما كان منه إلا أن قام فتقيأ وقال: “يا رب، ما بقي في العروق فأنت حبسته.” ومن ثم نزلت الآية. وعبر الكلبي عن ذلك بأن الآية نزلت في كل من همَّ بالمعصية وقدر عليها في خلوته لكنه تركها خوفًا من الله -تعالى-.

المصدر الذي ينهى الإنسان عن هواه

يعتبر الخوف من الله -سبحانه وتعالى- الدافع الرئيس الذي يمنع الإنسان من الانغماس في شهواته وتأديته لأفعاله، إذ أن التحكم بالنفس وابتعادها عن الهوى يعد نقطة الانطلاق نحو الطاعة، وكل ما يُخالف ذلك يصنف كمعصية وشر.

Scroll to Top