تشخيص داء الربو وكيفية التعرف عليه

تشخيص مرض الربو

من المهم الإشارة إلى عدم وجود طريقة تشخيصية واحدة محددة لتأكيد الإصابة بالربو (بالإنجليزية: Asthma)، المعروف أيضاً باسم الحساسية الصدرية، إذ يتطلب التشخيص الدقيق إجراء مجموعة من الفحوصات لتأكيد الحالة أو استبعادها. وفي كثير من الأحيان، قد يكون من الصعب تشخيص الربو بشكلٍ قاطع لدى الأطفال. في هذا المقال، سنتناول طرق تشخيص مرض الربو بالتفصيل.

التاريخ الطبي والشخصي

تتمثل الخطوة الأولى في تشخيص مرض الربو في قيام الطبيب بطرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالتاريخ الصحي الشخصي والعائلي، بالإضافة إلى الاستفسار عن الأمراض التي عانى منها الشخص سابقاً. فإن الإصابة ببعض الحالات، مثل الحساسية أو الإكزيما (بالإنجليزية: Eczema)، أو وجود تاريخ عائلي للإصابة بها، قد يزيد من خطر الإصابة بالربو. وتتضمن هذه الخطوة أيضاً نقاش نمط الحياة والأدوية والمكملات التي يتناولها الشخص، مع أهمية تكوين صورة واضحة عن الأعراض التي يعاني منها. يمكن أن تشمل أعراض الربو السعال، ضيق النفس، وصوت الأزيز عند التنفس (بالإنجليزية: Wheezing). كما قد يقوم الطبيب بالاستفسار عن عوامل التعرض البيئية، مثل حبوب اللقاح، ودخان التبغ، والغبار، ووبر الحيوانات الأليفة، التي قد تفاقم أعراض الربو. ومن بين الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الطبيب ما يلي:

  • متى تظهر الأعراض، وما هي العوامل المحفزة لظهورها؟
  • هل يعاني أي فرد من أفراد العائلة من الربو، أو حمّى القش (بالإنجليزية: Hay fever)، أو أي نوع آخر من الحساسية؟
  • هل يتعرض الشخص لمشاكل صحية أخرى أو أعراض صدرية عند الإصابة بنزلات البرد؟
  • ما هي مهنة المريض؟
  • هل لديه حيوانات أليفة؟

الفحص البدني

أثناء الفحص البدني (بالإنجليزية: Physical exam)، يقوم الطبيب بفحص الأنف، والحلق، والمسالك التنفسية العليا للكشف عن أي علامات تشير إلى الإصابة بالحساسية أو الربو، مثل الأزيز أو الصفير أثناء التنفس الذي يُعتبر أحد الأعراض الرئيسية للربو وغالباً يتم التعرف عليه باستخدام سماعة الطبيب. بالإضافة إلى الكشف عن انتفاخ الممرات الأنفية وسيلان الأنف، قد يتم أيضاً إجراء اختبار الجلد للكشف عن علامات الحساسية، مثل الإكزيما أو الشرى (بالإنجليزية: Hives).

اختبارات وظائف الرئة

تعتبر اختبارات وظائف الرئة (بالإنجليزية: Lung Function Tests) أو اختبارات التنفس من الفحوصات الأساسية لتأكيد التشخيص. غالباً ما تتم هذه الاختبارات قبل وبعد إعطاء دواء موسع للقصبات الهوائية (بالإنجليزية: Bronchodilator) الذي يسهم في فتح المجاري التنفسية. إذا تحسن أداء الرئة بعد تناول هذا الدواء، فقد يُشير ذلك إلى احتمال الإصابة بالربو، وفي هذه الحالة قد يتوجب على الطبيب وصف علاج مخصص للربو ومراقبة حالة المريض لمعرفة مدى فعالية العلاج. سنقوم الآن بتفصيل اختبارات وظائف الرئة.

قياس التدفق الشعاعي

يعتبر اختبار قياس التدفق الشعاعي (بالإنجليزية: Spirometry) من الاختبارات المفضلة لتشخيص الربو. يتميز كونه سهل الإجراء، واقتصادي، ويعطي معلومات موثوقة وفورية حول وظائف الرئة. يتم إجراء الاختبار من خلال استنشاق الهواء بقوة وعمق، بينما يقوم المريض بتنفيس الهواء عبر أنبوب في جهاز قياس التدفق، مما يتيح تقييم درجة انسداد مجاري التنفس. يتم قياس السعة الحيوية الزفيرية القسرية (بالإنجليزية: Forced Vital Capacity) والحجم الزفيري القسري خلال ثانية واحدة (بالإنجليزية: Forced expiratory volume in one second)، وتُحسب النتيجة بمقارنة كمية الهواء الزفيري مع قياسات طبيعية أخرى تأخذ بعين الاعتبار العمر، والجنس، والوزن، والطول. تعتبر القيم المنخفضة مؤشراً على انسداد الشعب الهوائية، وهو عرض رئيسي من أعراض الربو، لكن قد تؤشر أيضًا على حالات صحية أخرى. يمكن إعادة الفحص بعد استخدام أدوية الربو، ويُفضل إجراء هذا الاختبار عند ظهور الأعراض للحصول على نتائج أكثر دقة.

إذا أظهر اختبار قياس التدفق انسداد المسالك التنفسية، تكون الخطوة التالية عادة إجراء اختبار العكوسية (بالإنجليزية: Reversibility Test) باستخدام موسع قصبي. يُعتبر وجود الاستجابة الإيجابية دليلاً إضافياً على الإصابة بالربو. يتم ذلك قبل وبعد استخدام موسع قصبي قصير المفعول مثل الألبوتيرول (بالإنجليزية: Albuterol)، حيث يُساعد هذا الدواء في توسيع مجاري الهواء. ينبغي تكرار قياس التدفق بعد 10-15 دقيقة من استخدام الموسع، ويُعتبر أي تحسن في تدفق الهواء بنسبة 12% إيجابياً مما يُعزز التشخيص. جدير بالذكر أن هذا الاختبار يمكن أن يُستخدم لمراقبة التقدم في الحالة وتقييم فعالية العلاج، لكنه قد لا يكون مناسباً للأطفال في المراحل العمرية الصغيرة؛ في هذه الحالات يمكن وصف أدوية الربو لمراقبة الأعراض خلال 4-6 أسابيع.

اختبارات التحدي

تُستخدم اختبارات التحدي (بالإنجليزية: Challenge Tests) إذا لم يتم التوصل إلى تشخيص قاطع. يتضمن ذلك استنشاق مواد معينة مثل الميثاكولين (بالإنجليزية: Methacholine)، وقد تشمل الاختبارات أيضًا ممارسة التمارين الرياضية أو استنشاق الهواء البارد. تؤدي هذه الأنشطة إلى تضيق الشُعب الهوائية محدثةُ أعراض الربو. تُعتبر النتيجة إيجابية إذا كان هناك انخفاض في وظائف الرئة أثناء إجراء اختبار التحدي، ويجب إجراء هذا الاختبار في مراكز متخصصة قادرة على تقديم الرعاية الطارئة إذا استدعى الأمر. يتم وصف موسع للقصبات بعد الانتهاء من الفحص لاستعادة الوضع الطبيعي.

اختبار ذروة التدفق الزفيري

تقيس اختبارات ذروة التدفق الزفيري (بالإنجليزية: Peak Flow Test) مدى صعوبة إخراج الهواء بواسطة جهاز محمول يُسمى جهاز قياس ذروة التدفق (بالإنجليزية: Peak Flow Meter). تُعتبر القراءة التي تتجاوز 80% طبيعية، بينما تشير القراءات الأقل إلى ضرورة وضع خطة علاجية مناسبة. يمكن لهذا الاختبار أن يُجرى في المنزل أو في عيادة الطبيب، وهو مفيد لمراقبة صحة المجرى الهوائي. على الرغم من أن هذا الاختبار أقل دقة مقارنةً بقياس التدفق الشعاعي، فإنه يوفر وسيلة جيدة لاختبار وظائف الرئة قبل ظهور الأعراض، ويساعد في تحديد العوامل المحفزة لأعراض الربو. يمكن توجيه المريض لتدوين القياسات عدة مرات يومياً ومناقشتها مع الطبيب للوصول إلى أفضل خطط العلاج.

اختبار أكسيد النيتريك

يُجرى اختبار أكسيد النيتريك (بالإنجليزية: Fractional Exhaled Nitric Oxide Test /FeNO test) عبر جهاز محمول، يقوم المريض بإخراج الزفير فيه لمدة عشر ثوانٍ بسرعة ثابتة، حيث تقوم الآلة بقياس كمية أكسيد النيتريك في الزفير. يُستخدم هذا الاختبار لتحديد مستوى الالتهاب الرئوي لدى مرضى الربو التحسسي أو اليوزيني (بالإنجليزية: Eosinophilic asthma). يُعتبر أكسيد النيتريك علامة على وجود التهاب، وبالتالي فإن ارتفاع مستوياته قد يدل على الإصابة بالربو. على الرغم من أن المريض قد لا يشعر بأعراض الربو، إلا أن مستويات أكسيد النيتريك قد تشير إلى الحاجة لمزيد من العلاج.

التصوير بالأشعة

تظهر صور الأشعة السينية للصدر (بالإنجليزية: Chest X-rays) مدى تمدد الرئتين، حيث يظهر التمدد المفرط عادة لدى مرضى الربو الذين لم يتم تشخيصهم لفترة طويلة. لذا يلجأ الأطباء إلى هذه الصور كجزء من التشخيص، وخاصةً لمن تظهر عليهم الأعراض لأول مرة. يساعد التصوير بالأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب عالي الدقة (بالإنجليزية: High-Resolution Computer Tomography) في تشخيص أي تغييرات هيكلية أو التهابات في الرئتين.

اختبارات الحساسية

تُستخدم اختبارات الحساسية (بالإنجليزية: Allergy Tests) للتعرف على مدى حساسية الشخص تجاه الغبار، والعفن، وحبوب اللقاح، والحيوانات الأليفة، وتحديد المثيرات الرئيسية لتجنبها وتقديم العلاج المناعي المناسب.

اختبارات الجلد للحساسية

تشمل اختبارات الحساسية الجلدية (بالإنجليزية: Allergy Skin Tests) تعريض الجلد لمسببات الحساسية المحتملة ومراقبة استجابة الجسم لها، حيث يُبحث عن ارتفاع مستويات الجلوبيولين المناعي هـ (بالإنجليزية: Immunoglobulin E) في الاستجابة، مما يدل على وجود حساسية. هذه الاختبارات موثوقة وفعالة، ويمكن الحصول على نتائجها خلال ساعة. يجب إجراء الفحص تحت إشراف متخصص لتفادي الأعراض الجانبية المحتملة، والتي قد تشمل الحكّة والانتفاخ.

  • اختبار وخز الجلد (بالإنجليزية: Skin Prick Test): يُستخدم من خلال وضع قطرات من مسببات الحساسية على ظهر المريض، ثم يتم وخز المنطقة قليلاً. إذا حدثت استجابة حمراء منتفخة، فهذا يدل على وجود حساسية.
  • اختبار الحساسية داخل الأدمة (بالإنجليزية: Intradermal Allergy Tests): يتضمن حقن كميات صغيرة تحت الجلد، ومراقبة المنطقة لنصف ساعة.
  • اختبار الرقعة (بالإنجليزية: Patch Test): يُجرى بوضع لصقات تحتوي على مواد حساسية محتملة على الظهر، ومراقبة ردود الفعل على مدى عدة أيام.

اختبارات الدم للحساسية

تبحث اختبارات الدم عن ارتفاع مستويات الأجسام المضادة المعروفة بالجلوبيولين المناعي هـ. ومع ذلك، فهذه الاختبارات ليست حساسة مثل اختبارات الجلد، وغالبًا ما تُجرى في المختبرات الطبية. تعتبر اختبارات الدم الهامة في حالات صعوبة إجراء اختبارات الجلد، مثل الحالات التي تتناول مضادات الهيستامين.

الفحوصات المخبرية

تُجرى مجموعة من الفحوصات الطبية لتحقيق أغراض متعددة؛ مثل استبعاد الأمراض المماثلة، وتحديد الحساسية، وتحليل المضاعفات الصحية. في حالات نوبات الربو الحادة، قد يتطلب الأمر فحوصات لمراقبة مستويات الأكسجين، ووظائف الأعضاء، والتوازن الحمضي القاعدي. نستعرض فيما يلي الشرح الإضافي لأهم الفحوصات:

  • فحص تعداد الدم الكامل (بالإنجليزية: Complete Blood Count): لتقييم الوضع الصحي لخلايا الدم المختلفة.
  • غازات دم الشرايين (بالإنجليزية: Blood Gases): لتحديد درجة حموضة الدم ونسب الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، وغالباً ما يطلب أثناء نوبات الربو.
  • تحليل التمثيل الغذائي الشامل (بالإنجليزية: Comprehensive Metabolic Panel): يستخدم لتقييم وظائف الأعضاء.
  • مراقبة مستوى الأدوية العلاجية (بالإنجليزية: Therapeutic Drug Monitoring): في حالات محددة لمراقبة أدوية مثل الثيوفيلين (بالإنجليزية: Theophylline).
  • تحليل مستوى الحمضات في البلغم (بالإنجليزية: Sputum Eosinophils): للكشف عن نوع معين من خلايا الدم البيضاء التي قد تظهر أثناء أعراض الربو.

فحوصات لحالات أخرى

خلال إجراء الفحوصات البدنية وأخذ التاريخ الطبي والعائلي، يتم تحديد الحاجة لإجراء فحوصات إضافية للكشف عن حالات تهم طبيعة الربو. وتتضمن:

  • فحص زراعة البلغم (بالإنجليزية: Sputum Culture): لتشخيص التهابات الرئة.
  • فحوصات استبعاد التليف الكيسي (بالإنجليزية: Cystic Fibrosis): وهذه تتضمن فحص العرق (بالإنجليزية: Sweat Test).
  • تحليل دلالات الإصابة بمرض السل (بالإنجليزية: Tuberculosis): بما في ذلك تحليل ألفا فيتو بروتين.
  • خزعة الرئة (بالإنجليزية: Lung Biopsy): لتقييم حالة الرئة والكشف عن الإصابات المختلفة.
  • التنظير الداخلي للجهاز الهضمي العلوي في حالات الارتجاع المعدي المريئي (بالإنجليزية: Gastroesophageal Reflux).
  • اختبار ابتلاع الباريوم المعدّل (بالإنجليزية: Modified Barium Swallow).

كيفية تصنيف الربو

يتم تصنيف شدة الربو بناءً على مجموعة من العوامل، بما في ذلك طبيعة الأعراض، وعدد مرات ظهورها، وشدتها، بالإضافة إلى نتائج الفحوصات. يساعد التصنيف في تحديد العلاج المناسب. يجب الإشارة إلى أن شدة الربو قد تتغير مع مرور الوقت، مما يتطلب تعديلات علاجية مستمرة. عادةً ما تُصنف حالات الربو إلى أربع فئات رئيسية، وهي كالتالي:

  • ربو خفيف متقطع: تظهر الأعراض خفيفة وغير مستمرة، حيث تحدث ليلتين في الشهر أو يومين في الأسبوع.
  • ربو خفيف مستمر: تظهر الأعراض لأكثر من مرتين في الأسبوع، لكن ليس أكثر من مرة واحدة في اليوم.
  • ربو معتدل مستمر: تحدث الأعراض لمرة واحدة يومياً أو أكثر من ليلة واحدة في الأسبوع.
  • ربو شديد مستمر: تستمر الأعراض طوال اليوم وفي معظم الأيام، بما في ذلك الأعراض الليلية المتكررة.
Scroll to Top