دراسة حول غزوة تبوك في التاريخ الإسلامي

أسباب غزوة تبوك وتاريخها

أصدر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أمرًا للمسلمين بالقيام بالجهاد ضد الروم، وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى غزوة تبوك، ومن أهمها:

  • إلزام الله -تعالى- لنبيه الكريم بالجهاد، وقد استجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، حيث قال -تعالى-: ((يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلونَكُم مِنَ الكُفّارِ وَليَجِدوا فيكُم غِلظَةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ المُتَّقينَ)). وعندما اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- الروم، فإن ذلك يعود لقربهم من الدعوة الإسلامية، وقد قال -تعالى-: ((قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرونَ)).
  • وردت أنباء للمسلمين تفيد بأن أهل الشام يعتزمون غزو المدينة المنورة، مما دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حث المسلمين على الاستعداد لمواجهة هذا العدو. وقد أشار المؤرخون إلى ذلك، حيث أورد كعب بن مالك -رضي الله عنه-: ((كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَلَّما يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إلا ورَّى بغَيْرِهَا، حتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في حَرٍّ شَدِيدٍ، واستَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا ومَفَازًا، وجَلّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِ الذي يُرِيدُ)).

وقعت هذه الغزوة في السنة التاسعة للهجرة في شهر رجب، يوم الخميس. وهي كانت آخر غزوة قام بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما رواها كعب بن مالك -رضي الله عنه- قائلاً: ((لم أتخلَّفْ بعدُ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في غزوةٍ غزاها حتَّى كانت غزوةُ تبوكَ وهي آخِرُ غزوةٍ غزاها)).

مكان غزوة تبوك وأحداثها

مكان غزوة تبوك

تبوک هو موقع معروف جغرافيًا يقع في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق. وقد ذكرت في معجم البلدان لياقوت الحموي، بأنها تقع بين وادي القرى والشام، وتحدها جبل حسمي من الغرب وجبل شروري من الشرق. تبعد تبوك عن المدينة المنورة حوالي اثني عشر مرحلة. وقد أشار بعض العلماء إلى أن تبوك هي بركة لبني سعد من بني عذرة، في حين اعتبرها أبو زيد حصنًا يحتوي على عين ماء ونخيل، ويُنسب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتقع في منتصف الطريق نحو الشام.

أحداث غزوة تبوك

تمكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من تجميع ثلاثين ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وأهل مكة والقبائل العربية الأخرى للذهاب إلى غزوة تبوك، فالآية الكريمة تدل على وجوب المشاركة في القتال، سواء منهم الشيوخ والشباب، أو الفقراء والأغنياء، حيث قال -تعالى-: ((انفِرُوا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّـهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ)). وتنقسم أحداث غزوة تبوك إلى عدة فئات على النحو التالي:

أحداث قبل الخروج إلى غزوة تبوك

استجاب أغلب الناس لنداء الله ورسوله للجهاد، ولم يتبقى في المدينة سوى المنافقين والضعفاء الذين لديهم أعذر، حيث كشفت هذه الغزوة عن صدق إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين، فالشِدَة تكشف معادن الناس. وقد اقتضت الغزوة خوض المسلمين لتجربة شاقة في حر الصيف والندرة في الماء والمال، مما أدى إلى توزيعهم إلى مجموعات مختلفة في التعامل مع حالة الطوارئ:

  • المؤمنون الصادقون: تبرع بعض المسلمين بما يملكون، وجاء الصحابي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمبلغ لا يصدق هو ألف دينار، مما أسعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفع من معنوياهم، وقد قال: ((ما ضَرَّ ابنَ عَفَّانَ ما عَمِلَ بَعدَ اليَومِ)).
  • فقراء المسلمين: قدم الفقراء ما استطاعوا من مساعدة، حتى لو كان قليلًا، ومع ذلك استخف المنافقون من فعلهم، مفترضين أن الله غني عن صدقاتهم. وأيضًا الأغنياء وُجههوا بالقول إنهم يتصدقون فقط ليظهروا أمام الناس، لكن الله فضحهم بقوله: ((الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم فَيَسخَرونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّـهُ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ)).
  • المنافقون: على الرغم من محاولتهم التستر وراء تبرعاتهم، إلا أن الله كشفت زيفهم، حيث أعرب -تعالى- عن امتعاضه من نفقاتهم لعدم قبولها، فقال -تعالى-: ((قُل أَنفِقوا طَوعًا أَو كَرهًا لَن يُتَقَبَّلَ مِنكُم إِنَّكُم كُنتُم قَومًا فاسِقينَ)). وقد تنوع المنافقون إلى فئات مختلفة:
    • الفئة الأولى: المنافقون الذين تقدّموا بأعذارٍ واهية، قال الله -تعالى- عنهم: ((وَمِنهُم مَن يَقولُ ائذَن لي وَلا تَفتِنّي أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَةٌ بِالكافِرينَ)). وقد عفا الله -تعالى- عن النبي لـوأذن لهم، حيث أوضح أن المؤمنين الصادقين لا يقدمون أعذارًا هزيلة مثل أولئك المنافقين.
    • الفئة الثانية: المنافقون الذين حاولوا تثبيط همم المجاهدين بالقول بأن الجو شديد الحرارة، فقال -تعالى-: ((وَقالوا لا تَنفِروا فِي الحَرِّ قُل نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَو كانوا يَفقَهونَ)).
  • المسلمون العاجزون: كانت هناك شريحة من الضُعفاء الذين لم يستطيعوا الخروج إما بسبب كبر السن أو المرض أو الفقر، وكانوا يبكون لتحسُرهم على عدم المشاركة. فنزلت فيهم الآيات المباركة تفيد أن الله الرحمن الرحيم لا يعاقبهم إذا كانوا صادقين في نواياهم.
  • المسلمون الصادقون الذين كانوا لا يمتلكون ما ينفقون: كان الفقراء من المؤمنين حزينون على تخلّفهم، لكن الله عز وجل تقبل توبتهم، وحديث النبي إسعادهم.
  • المتباطئون: أدت الظروف إلى تردد بعض الأفراد في الخروج للجهاد في الوقت الذي أمر فيه النبي بذلك، بسبب الظروف الجوية الصعبة وجني الثمار.

أحداث في الطريق إلى غزوة تبوك

توالت الأحداث أثناء الطريق إلى تبوك كالتالي:

  • انطلاق الحملة إلى الروم: غادر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المدينة متوجهًا إلى الروم، وتم تعيين الصحابي محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- خليفة على المدينة، وترك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لحماية عائلته، إلا أن المنافقين زعموا أن الرسول لم يأخذه معه كنوع من الازدراء، وعندما سمع علي بذلك أعرب عن استيائه. فرد عليه النبي قائلاً: ((أمَا تَرضَى أنْ تَكونَ مِنِّي بِمَنزِلةِ هارونَ مِن موسى، إلَّا أنَّهُ لا نَبيَّ بَعدي؟)).
  • معاناة الجوع: واجه النبي وأصحابه الجوع أثناء الرحلة إلى تبوك، حيث نفذ زادهم، مما دفعهم للاستئذان بذبح الإبل، لكن الاقتراح من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حول أهمية الاحتفاظ بها دفعهم لدعوة الله، واستجاب الله لدعائهم.
  • معاناة العطش: تعرض الجيش إلى عطش شديد، مما جعلهم يطلبون دعاء النبي، الذي استجاب الله له فورًا، فأنزل بارقه، واستطاع الجنود أن ينبذوا عطشهم.
  • المنافقون في الطريق: استمرت المنافقون في تآمرهم خلال الطريق نحو تبوك، بحيث قال أحدهم: كيف يتحدث نبي الله وناقتة ضاعت؟ لكن النبي أثبت أنه يعلم ليؤكد صدق نبوته.
  • الوصول إلى تبوك: عندما وصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الجيش إلى تبوك، أخبرهم بوجود عاصفة هوائية، وحذرهم من مخاطرها.

أحداث العودة من غزوة تبوك

رغم الانتصار، خطط بعض المنافقين لاغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأنزل الله آيات تقضي على ما قاموا به، حيث أن خبر بناء مسجد ضرار ورد للنبي في طريق عودته.

عندما وصل إلى المدينة، استقبل أطفال ونساء المدينة النبي، وتمت الصلاة بالمسجد، وبدأ المنافقون يتعذرون، بينما استثنى الله ثلاث من الأقران الذين أعذروا لتأخرهم.

سبب تسمية غزوة تبوك

تأتي تسمية غزوة تبوك من كلمة “البَوْك”، التي تعني الحفر في الشيء. وقد نسبت الغزوة إلى عين الماء المتواجدة في المنطقة.

كما تُعرف غزوة تبوك بـ”الغزوة الفاضحة”، لأنها كشفت عن نوايا المنافقين وأظهرت كذبتهم.

وتعتبر غزوة تبوك غزوة العسرة، لما صاحبها من صعوبات، مثل قلة الإمدادات والعطش.

عدد المشاركين في الفريقين غزوة تبوك

قاد النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشًا من ثلاثين ألف مقاتل ضد الروم، في حين كان عددهم أربعين ألف مقاتل بقيادة أحد عظمائهم.

نتائج غزوة تبوك

بعد عودة الرسول والصحابة من غزوة تبوك، حصلت عدة نتائج مهمة، منها:

  • قيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة على المنافق عبد الله بن أُبي بن سلول، رغم اعتراض عمر بن الخطاب.
  • هدم مسجد ضرار بعد اكتشافه.
  • إرسال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- لتعليم الحجاج مناسك الحج.
  • استقبال عدد كبير من الوفود حيث اجتمع الإسلام في شبه الجزيرة العربية.
  • تعزيز معنويات المسلمين للقتال ضد الروم.
  • تحطيم التردد لدى العرب لاعتناق الإسلام بعد تحقيق انتصارات عظيمة.
  • توقيع تحالفات مع القبائل الحدودية.

العبر المستفادة من غزوة تبوك

يمكن استخلاص العديد من الدروس من غزوة تبوك:

  • في النهاية، فإن النفاق لا بد أن يظهر، عاجلاً أو آجلاً.
  • الحرب الإسلامية تتعلق بالدفاع عن الدين دون اتجاه عدواني، بل تهدف إلى تحرير الناس.
  • تمكن المؤمنون من تمييز أنفسهم من المنافقين أثناء الشدائد، مما أدى إلى انتصار الجيش.
  • سخاء الصحابة أثبت قدرة الإيمان على تحقيق الانتصار.
  • العزيمة الصادقة تظل حافزاً عظيماً في تاريخ الإسلام.
  • التوبة الصادقة تستحق الرحمة والمغفرة من الله.
Scroll to Top