ميلاد رسول الإسلام
إنّ ميلاد رسول الإسلام هو يوم لا يمكن مقارنته بأي يوم آخر، فهو اليوم الذي شهد أولى أنفاس هادي البشرية محمد -عليه الصلاة والسلام-. إنّه اليوم الذي أعلنت فيه الشمس والمخلوقات خضوعها لنبي مُرسل من الله سبحانه وتعالى، ليكون هديةً وكلمة طيبة للبشرية، كما أنه اليوم الذي شعر فيه الناس بنسمات تحمل الفرح والخير دون علمهم بأنهم يحتفلون بقدوم من سيكون خير البشرية. وهو أيضًا اليوم الذي أرسل الله فيه طيورًا من السماء تحمل أحجارًا من جهنم ليكون عقابًا لكل مَن تسوّل له نفسه بتدنيس مكة المكرمة. يطلق عليه عام الفيل، عام اختلطت فيه نسمات الحياة بأنفاس حبيب الله محمد -عليه الصلاة والسلام-.
إنّه اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يوم تتلهف القلوب لاحتفاله تعبيراً عن حبهم وامتنانهم لقدوم من أنار طريقهم في الحياة. ورغم أن الاحتفال بهذا اليوم لم يكن معروفًا في زمن الصحابة والتابعين، فإنّ قدسية هذا اليوم ومكانته جاءتا من عظمة شخصيته التي اختارها الله ليكون نبيًا وشفيعًا للمؤمنين. تشرق معالم الفرح في الشوارع والمنازل، وتلعب جدات الأسر دورًا أساسيًا في هذا اليوم، حيث يحملن البهجة ويحدثن الأطفال عن أسطورة النبوة. تنتشر الروائح الشهية من المخبوزات وأصناف الطعام المتبادلة بين الجيران، ويسود الهدوء والسعادة عندما تجتمع العائلات للاحتفال معًا تحت قناديل زينها الآباء والأبناء، دلالةً على اقتراب موعد الفرح.
هل هناك مناسبة أعظم من ميلاد الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- للاحتفال بها وإظهار الفرح؟ لا والله، لا يوجد. فإنّ هذا اليوم هو أولى الزينات التي تستحق الاحتفاء بها، كما أن الأهازيج التي ترتفع فيه تعبيرًا عن الفرح لا بد أن تُجسد في قلوبنا. إنه أعظم يوم مرّ على البشرية، والحمد لله على نعمة الإسلام.
الطفولة المليئة بالتحديات ونبوة محمد
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعيش الحبيب المصطفى طفولة مليئة بالتحديات؛ إذ كان يتمتع بمهمة نبي عظيم. فقد حرم -عليه السلام- من حنان الأب، حيث لم يعرف أبدًا معنى العطف الذي يناله الأطفال من آبائهم. وعندما كبر قليلًا، فقد أمه ليصبح يتيمًا، غير محاط بالحب والأمان، وهو لا يزال في السادسة من عمره. كان جدّه عبد المطلب يعطف عليه، لكنه لم يدم طويلاً حتى توفي وذُقنا الحبيب المصطفى مرة أخرى ألم اليتم.
ثم احتضنه عمّه أبو طالب، إلى أسرته، تمهيدًا لمساعدته على تخطي آلام فقدانه لوالديه. كان أبو طالب يعطف عليه ويعتني به كما لو كان أحد أبنائه، لذا قضى محمد -عليه السلام- بضع سنوات من حياته في رعاية الأغنام لتعزيز دخل أسرته وتخفيف الأعباء عن عمه. كانت تلك المهمة مدرسة علمته كيفية التعامل بلطف مع المخلوقات ولطيفها، فهو محاط بأخلاق عظيمة. وفي صباه، بدأ الناس يتكلمون عن صدقه وأمانته حيث اختبروا بأخلاقه السامية.
ذهب أبو طالب به إلى بلاد الشام، وهناك حذره أحد الرهبان بأن يبتعد عن اليهود، حيث كان في وجهه الأضواء التي تدل على نبوته. وعاد أبو طالب به إلى مكة، حمايةً له من الأذى. اتجه النبي إلى غار ثور ليتعبد ويُفكر في حكم هذا الكون، وفي تلك الفترة المطلقة من العمر، عُثر على النور في قلبه، وقد نزل الوحي عليه. كان ذلك في عمر الأربعين، حيث جاءه جبريل ليعلن بداية رسالة نبوته. عاد النبي إلى خديجة -رضي الله عنها-، عائشًا أوقاتا من القلق والخوف، إلا أنها وقفت بجانبه ودعمته.
تضحيات النبي وصبره العجيب
كان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- مؤهلًا تمامًا للمهمة العظيمة التي أوكلت إليه. حَمَل الأمانة بكل صدق وشجاعة، وواجه الموقف في أوقات قاسية من ظُلم كفار قريش. عندما وجد نفسه يُنعت بالكذب والسحر، تحطمت آماله في عيون الآخرين، لكنه لم يتراجع. يرى في قصة طائف عندما سجل الألم على بشريته بدمائه، لكنه لم ينزلق إلى الحزن، بل رفع كفيه إلى الله داعيًا: “اللهُمَّ إليكَ أشكو ضعفَ قوَّتي…”.
وعندما أُجبر على مغادرة مكة، التي أحبها، وقفت مشاعره كخلفية موجعة، حيث ودّعها بكلمات مؤثرة، معبرًا عن حبه لمدينته. إن تضحيته في سبيل الدعوة الإسلامية كانت محركًا لأماني البشر في طريق الحق، وصرخةً في وجه الظلم.
لقد أسس النبي -عليه الصلاة والسلام- نموذجًا يحتذى به في الصبر والتضحية. والتضحيات التي قدمها لنشر الرسالة مهدت الطريق لشعراء كثيرين لتدوين قصائده، مثل الشاعر أحمد شوقي، الذي قال:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
:::وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَه
:::لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
:::وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
:::بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
أمانة النبي وصدقه
لقد اشتهر النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بلقب “الصادق الأمين”، وكان من حظ خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أن شهدت هذه الخصال الحميدة فيه ودعته للزواج. وقد شهدت قريش بأخلاقه الرفيعة، على الرغم من كذبهم في وصفه. ورغم ذلك، كانوا يستأمنونه على أموالهم، ولذلك شكّل ذلك تناقضًا مع اتهاماتهم الباطلة. كان النبي وفياً لأمّانه حتى في أصغر التفاصيل. فعندما أبقى علي بن أبي طالب في فراشه ليلة خروجه من مكة، خلقت أمره بِإنجاز الأمانات تصديرًا لأمانته.
كان محمد -عليه الصلاة والسلام- دومًا يدافع عن صدقه، حتى في المزاح، حيث كانت له مواقف ظريفة كشفت عن حبه للحق. ومن هنا، أصبحت صفحة من صفات النبوة واضحة جليّة: الكرم والأمانة، مما جعلنا نعبّر عن احترامنا لهذا الرسول العظيم.
لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على: موضوع تعبير عن المولد النبوي الشريف.