تحليل قصيدة “سوق القرية” من منظور اجتماعي

دراسة قصيدة سوق القرية باستخدام المنهج الاجتماعي

فيما يلي دراسة قصيدة “سوق القرية” للبياتي من منظور اجتماعي:

استعراض المقطع الأول

تظهر الشمس، ودواب هزيلة، وذباب

وحذاء جندي قديم

يتنقل بين الأيادي، وفلاح يحدق في الفراغ:

“في بداية العام الجديد

ستمتلئ يدي بالنقود حتمًا

وسأقوم بشراء هذا الحذاء”

عند التدقيق في هذا المقطع، يتبين أن الشاعر يتناول قضية اجتماعية خطيرة، وهي الفقر. الشمس تمثل مصدر الإزعاج بسبب عدم وجود ما يحمي من حرارتها، بينما تشكل الدواب الهزيلة رمزًا للجوع والفقر الناجمين عن قلة الطعام والعلف. إن المجتمع الذي يصوره الشاعر يعاني من الفقر بحيث لا يمكنه إطعام الحيوانات.

تظهر هذه القرية كأرض قاحلة جدباء، حيث لا يوجد أي محصول ينمو، وحتى الحشائش مفقودة. ويستحضر الشاعر الذباب، الذي يدل على الوباء والمرض، ليعكس حالة هذا المجتمع، الذي لا يسلم فيها البشر والدواب.

كما يعمق الشاعر مفهوم الفقر بالإشارة إلى الحذاء القديم المعروض، والذي يعتبر العنصر الوحيد المطلوب. الجميع يرغب في شراءه، لكن لا أحد يدفع ثمنه، بل يتم تمريره بين الأيدي دون أن يُباع، مما يدل على أن الفقر يسيطر على المجتمع لدرجة تمنع الأفراد من شراء حتى حذاء قديم.

ثم يشير الشاعر إلى صوت من شخصية مجهولة في هذا المجتمع، فيهتف أنه سيشتري الحذاء في العام الجديد، وهو ما يدل على أمرين: الأول أن الفقر قد استشرى في هذه القرية، والثاني أن هذا الفقر من المتوقع أن يستمر حتى في العام الجديد، إذ أن هذه الشخصية لن تملك المال الكافي لشراء حذاء جديد.

استعراض المقطع الثاني

وصياح ديك هارب من قفصه، وقديس شاب

“ما حك جلدك مثل ظفرك”

وطريق الجحيم

أقرب من جنة الفردوس والذباب

والحاصدون المنهكون

‘زرعوا، ولم نأكل’

ونزرع، صاغرين، فيأكلون

والعائدون من المدينة: يا لها من وحش ضرير

صرعانا موتانا، وأجساد النساء

في هذا المقطع، يُبرز الشاعر واقع السوق وسكانها. يبدأ بوصف ديك هارب، مستحضرًا رمز الذكر، مما يدل على غياب الخصوبة في القرية. ويُدخل أيضًا رجل دين شاب يقدم مواعظ تدعو إلى الانعزال بدلاً من التعاون، مما يبدو أن مجتمع القرية قد فسد وانعدم فيه الخير والإيثار.

يُشير الشاعر إلى أن مصير هذه القرية هو الجحيم، فلعل طريق الجحيم يمتد عبر الجنة، مما يدل على أن معاناة المجتمع يمكن أن تقوده إلى الجنة، لكن في النهاية، لا يستحق هذا المجتمع الفاسد الدخول إلى الجنة وسينتهي به الأمر إلى الجحيم بعد تجارب مؤلمة.

يبرز الشاعر أيضًا الصراع الطبقي، مُشيرًا إلى سيطرة الطبقة البرجوازية على الفلاحين. فرغم زراعتهم، إلا أن البرجوازية تأخذ كل ما ينتجون، تاركة إياهم في حالة جوع.

يضرب الشاعر مثلاً عن عودة هؤلاء الذين حاولوا الهروب إلى المدينة، حيث تعدوها وخسروا، واصفين إياها بأنها وحش ضرير، مما يدل على العنف الذي تعرضوا له. كما يُظهر كيف استعبدت المدينة النساء وحولتهن إلى بغايا.

استعراض المقطع الثالث

وطموح الحالمين، وصوت خوار الأبقار، وبائعة الأساور والعطور

كأنها خنفساء تتحرك: قبرتي العزيزة يا سدوم

لن يستطع العطار إصلاح ما أفسده الزمان القاسي

وبنادق سوداء ومحراث، ونار

تخبو، وحداد يغفو بعينيه النازفتين

أبدًا، الطيور تقع على أشكالها

والبحر عاجز عن غسل الخطايا والدموع

في هذا المقطع، نجد تأثير التشاؤم بارزًا في وصف الشاعر للقرية والمجتمع. يصف بائعة الأسورة بأوصاف تعكس الضعف والهلع، ويقارن هذه القرية بسدوم، التي عانت من الفساد، ليؤكد أنها أيضاً تعاني من العذاب.

يستدعي الشاعر عبارة من تراث شعري ليؤكد أن هذه القرية غير قابلة للإصلاح، فهي مجتمع فاسد، وتظهر الأدوات المستخدمة، مثل البنادق، التي الكلمة للمسيطرين بينهم، مما يدل على انعدام المقاومة والاستسلام للمصير.

وبنادقهم تمثل رمزًا للموت، بينما المحراث يرمز إلى العمل الشاق، وفيما يخبرنا الشاعر أن الحداد مصدوم من الواقع الذي أصبح فيه البحر عاجزًا عن تطهير الخطايا.

استعراض المقطع الرابع

والشمس تتوسط السماء

وبائعات الكرم يجمعن السلال

وعينا حبيبي مثل كوكبين

وصدره ورد الربيع

والسوق تعج بالحركة، والحوانيت الصغيرة والذباب

يصطاده الأطفال، والأفق البعيد

تثاؤب الأكواخ في غابات النخيل

في هذا المقطع، تخف حدة السواد، حيث يركز الشاعر على جيل الشباب وأطفال المستقبل. يرسم لوحة أقل حدة، حيث تتجمع الفتيات لجمع الثمار، معبرًا عن آمالهن بوجود حبيب يأتي ليخلصهن.

وينهي الشاعر قصيدته بالعودة لوصف السوق، ليؤكد أن هذا السوق هو مركز الفساد في القرية، حيث تنتشر فيه الخطايا، ويظل الذباب رمزًا للأمراض الاجتماعية التي دمرت المجتمع.

Scroll to Top