تزكية معاذ بن جبل والثناء عليه
السيد الإمام أبو عبدالرحمن معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري هو شخصية معروفة، أسلم في شبابه وهو في مقتبل العمر، وقد كان يتمتع بعظيم العينين وحسن الثغر. اجتمع لديه حفظ القرآن الكريم في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما شهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار. حضر الغزوة الشهيرة غزوة بدر في سن العشرين أو الحادية والعشرين. نقل عن الرسول العديد من الأحاديث، وتم الرواية عنه من قبل ابن عمر، ابن عباس، أنس بن مالك وعددٍ من الصحابة والتابعين. قد أثنى النبي الكريم على معاذ بن جبل في عدة مناسبات، حيث قال عبدالله بن عمرو: قال رسول الله: (خذوا القرآنَ من أربعةٍ من أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ وسالمٍ مولى أبي حُذَيفةَ). وميز الرسول معاذ بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، حيث قال: (أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللَّهُ عمرُ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وأقرؤُهم لِكتابِ اللَّهِ أبيُّ بنُ كعبٍ، وأعلمُهم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ. ألا وإنَّ لِكلِّ أمَّةٍ أمينًا، وأمينُ هذِه الأمَّةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ). كما ذكر أنه سيقف معاذ بن جبل بين العلماء يوم القيامة بمرتبة عالية. وتجدر الإشارة إلى أن النبي زكّاه بإرساله إلى مكة بعد الفتح ليُعلم الناس القرآن الكريم والفقه، كما بعثه إلى اليمن للفصل بين الناس.
ثناء الصحابة والتابعين على معاذ بن جبل
إلى جانب رضا الرسول صلى الله عليه وسلّم عنه، فقد أثنى عدد من الصحابة على معاذ بن جبل، من بينهم الفاروق عمر بن الخطاب، الذي قال وهو يخطب في الجابية: (من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل). وفي موضع آخر، قال: (خرج معاذ إلى الشام، فقد أخلّ خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يُفتيهم). بينما أثنى عليه عبد الله بن مسعود بقوله: (إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين … كان يعلّم الناس الخير وكان مطيعاً لله ولرسوله). كما وصفه جابر بن عبدالله بأنه كان أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً وأسمحهم كفّاً. وقد أشار أبو نعيم الأصفهاني في ثنائه على معاذ بن جبل بأسلوبٍ معبّر بقوله: (أبو عبدالرحمن معاذ بن جبل المُحكم للعمل التارك للجدل، مقدام العلماء، وإمام الحكماء، ومُطعم الكُرماء، القارئ القانت، المُحبّ الثابت، السهل، السريّ، السمح، السخيّ، المولى المأمون، والوفيّ المصون).
مرض معاذ بن جبل ووفاته
انتشر مرض الطاعون في بلاد الشام، مما أدى إلى فتكه بالناس حتى وصفوه بأنه طوفان ولكن ليس بماء. وقد خطب معاذ في الناس قائلاً: (إنه قد بلغني ما تقولون، وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وكموت الصالحين قبلكم، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أو منافق، وخافوا إمارة الصبيان). وتمنّى أن يُصاب بالطاعون، حيث رأى فيه الشهادة، فقال: (اللّهم أدخل على معاذ وأهل بيته من هذه الرحمة). لم يكن يرى في المرض ابتلاءً، بل كان ينظر إلى الفرقة والاختلاف على أنه البلاء بعينه. استجاب الله لدعائه، فتوفي ولديه وزوجتيه بسبب الطاعون، بينما بدأ المرض به في إصبعه. فقال: (اللّهم إنها صغيرة فبارك فيها، فإنك تُبارك في الصغير). ومع تفاقم المرض عليه، كان في سكرات الموت يقول: (ربّ اخنقني خنقتك فوعزّتك إنك لتعلم أن قلبي يُحبّك). توفي في السنة الثامنة عشرة للهجرة عن عمرٍ يُناهز الثمان والثلاثين سنة، رحمه الله.