دلالات قدرة الله في الكون
تبدأ السورة الكريمة بالحروف المقطعة، لتشير إلى إعجاز القرآن الكريم، ومن ثم تتناول السورة أدلة وجود الله -تعالى- التي تثبت وحدانيته وقدرته، من خلال الإشارة إلى السماوات والأرض، حيث يقول -تعالى-: (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ).
كما تؤكد السورة أن الله -تعالى- هو خالق السماوات المثالية، المليئة بالنجوم، وهو من يثبّت الأرض بالجبال، مما يبرز آيات الله -تعالى- الكثيرة في الكون، لتكون دعوة للإنسان بأن يعبد الله -سبحانه- وحده.
تستمر الآيات في طرح دلائل قدرة الله -تعالى-، بدءًا من خلق الإنسان من نطفة، وعلقه، وصولاً إلى اكتمال خلقه وخروجه من بطون أمهاته، كما في قوله -تعالى-: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، بالإضافة إلى ما خلقه الله -تعالى- من كائنات في الأرض التي لا تُحصى.
تناولت السورة أيضاً مفهوم تباين الليل والنهار، وسيرهما وفق نظام دقيق وتنسيق محكم من الله -تعالى-، وذكرت إنزال المطر من السماء، الذي يُحيي الأرض بعد موتها، مما يُعتبر مثالاً على حقيقة البعث وإحياء الناس بعد موتهم، كما في قوله -تعالى-: (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
من مظاهر قدرة الله -تعالى- التي تظهر في السورة، تسخير البحر للناس وسير السفن عليه، وما يترتب على ذلك من منفعة لهم، كما إنه -سبحانه- قد سخر كل ما في السماوات والأرض، بما في ذلك الشمس والقمر والجبال والبحار والنباتات والثمار والمعادن الموجودة في باطن الأرض، وكل ذلك يجب أن يدفع الإنسان للتفكر في قدرة الله -تعالى- ليعبده كما ينبغي.
التحذيرات من الكفر
بعد تناول دلائل قدرة الله -تعالى-، تربط سورة الجاثية بين تلك الدلائل والإيمان، حيث ينبغي أن تكون سببًا لإيمان الناس، وتحذر من الكفر بالله -تعالى- وإنكار دلائل قدرته. وقد أضاف الله -سبحانه- تلك الآيات إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا له، مما يُظهر عجب الآيات من إصرار الكافرين على عدم الإيمان.
أما عقاب من يصر على كفره ويستكبر عن الحق، فهو عذاب أليم لن ينفعه ما جمعه في الدنيا، بعد أن بذل جهده وعمره، فسيكون جزاؤه النار لكفره واستهزائه بالحق، الذي يعد الطريق إلى الهدى.
دعوة بني إسرائيل
كرم الله -تعالى- بني إسرائيل بإرسال رسل إليهم يدعونهم لتوحيده، ومنحهم ما لم يُعط لغيرهم. لكن بسبب سوء أعمالهم، تعرضوا للعن من أنبيائهم. حصلوا على التوراة والإنجيل، لكنهم بدّلوا فيهما وحرفوهما، متجاهلين كثرة أنبيائهم، مما يجعلهم من أضل الأقوام.
أنزل الله -تعالى- في التوراة علامات تدل على مجيء النبي الخاتم، لكنهم عندما طابقوا العلامات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الكريم، كفروا به، لرغبتهم في أن يكون النبي الخاتم من بني إسرائيل.
الفارق بين العمل الصالح والفساد
توضح الآيات الكريمة عدم تساوي جزاء أصحاب الأعمال الصالحة مع أصحاب الأعمال الخبيثة، سواء في الدنيا أو الآخرة. وقد نزلت هذه الآيات رداً على تفاخُر الكافرين على المؤمنين، حيث اعتقدوا بتفوقهم في الآخرة كما في الدنيا، حيث يقول -تعالى-: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
ضلال الكافرين
تبيّن الآيات الكريمة أن اتباع الهوى هو السبب الرئيسي لكفر الإنسان، مما يؤدي إلى ضلاله عن الهدى، فلا يهتم بما يُعرض عليه من دلائل تقوده إلى الحق. وقد كفروا بالله -سبحانه- وأنكروا وجود اليوم الآخر. وعندما تعرضت عليهم دلائل قدرة الله -سبحانه- على البعث والجزاء، كانوا يسألون رسلهم عن علامات مادية، متهكمين على ما ينذرهم به الرسل.
أوضاع يوم القيامة
تناقش الآيات الكريمة أيضًا مشاهد يوم القيامة وأحوال الناس فيه، حيث يُجازى المؤمنون بالحسنى ويُجزى الكافرون بالعذاب.