أقسام الله على يوم القيامة
بدأ الله – سبحانه وتعالى – في هذه السورة بالقسم بالذاريات، وهي الرياح التي تثير التُّراب، وكذلك بالحاملات، وهي السُحب التي تحمل الماء، والجاريات، التي تشير إلى السفن التي تبحر في المياه، والمُقسّمات، التي تعني الملائكة الذين خصصهم الله – سبحانه وتعالى – بأعمال محددة.
في هذا القسم، يبين الله – تعالى – شرفه وعظمته، مؤكدًا أن القسم برب الذاريات يعني ألّا شك في وقوع وعد الله للناس، سواء كان وعدًا بخير أو بشر، مما يُظهِر حتمية اليوم الآخر واندراج حدوثه ضمن تصميم الله عز وجل.
هناك من قال إن الذاريات تعني النساء الوالدات، لأنهنّ يُنجبن ذرية تعكس ذروات الخلق، بينما قيل كذلك إنها تشير إلى إنجاب الأولاد، وبالتالي تأتي التسمية. وبالنسبة للحاملات، فقد ربط بعض المفسرين هذا بعبء الحمل، أما الجاريات فقد ذُكرت في سياق السفن أو الرياح التي يسيرها الله – تعالى – حسب مشيئته، والغاية من هذا القسم هو تأكيد وقوع يوم القيامة.
جزاء المؤمنين وعقوبة الكافرين
يهدد الله – تعالى – المشركين الذين يحرّفون كلماته ويتحدثون بأقوال مبنية على الشك والظن، مشيرًا إلى أنهم عبروا عن جهل عميق، حيث أن مثل ذلك التكلم محرم ومذموم في العقيدة، كما أن الحديث عن الأمور العقائدية لا يوازي قبح الخرص في الكلام العام بين الناس. بعد ذلك، يصف الله – تعالى – حال المشركين الذين يسخرون ويشككون في حدوث اليوم الآخر، موضحًا أن تصريحاتهم تُظهر جهلهم.
ويجيب الله – تعالى – عن تساؤلاتهم عن اليوم الآخر، مبينًا أن يوم الدين هو اليوم الذي يُعذب فيه المشركون حيث سيكون مصيرهم في نار جهنم، يتلقون عقابًا بسبب كفرهم ورفضهم الإيمان اليوم الآخر.
في الوقت ذاته، تُظهر الآيات جزاء المؤمنين ومكانتهم، حيث يُكرّم المؤمنون بنعيم دائم في الجنة، وقد رُضوا عن أنفسهم وعن كل ما أنعم الله عليهم، وذلك بفضل إحسانهم في الدنيا والتزامهم بالعبادات وطاعة الله.
كما يوضح الله – تعالى – أعمالهم الصالحة التي كانوا يتفانون من أجلها، مثل الزكاة وقيام الليل، حيث اعتادوا أن لا يناموا إلا لفترات قصيرة من الليل لتمضي في ذكر الله في الساعات الهادئة.
دعوة للتأمل في خلق الله
بعد أقسام الله – تعالى – لتأكيد حقيقة يوم القيامة، يصف حال المشركين الذين يتحدثون بدون علْم، ويذكر دلائل تبرز قدرته على جمع الخلائق يوم الحساب. من هذه الأدلة هي الأرض ذات التضاريس المتنوعة، بما في ذلك الجبال والوديان والبحار والأنهار.
وسخر الله ما في هذه الأرض من نبات وحيوانات لصالح الإنسان، ومن عظيم قدرته – تعالى – أنه خلق الإنسان بدقة متناهية، وزوده بسمع وبصر وإحساس وقدرة على الحياة.
ومن بين عظمة الله – تعالى – أنه قدّر الأرزاق لكل مخلوق قبل وجوده، فكل شخص سيحصل على رزقه، سواء كان خيرًا أو شرًا، وهو وعدٌ إلهي، وقد أقسم الله – تعالى – على بقاء الرزق لكل الكائنات الحية.
إن البعث من الحقائق الراسخة، تعكس قدرة الله على تحقيق وعده بقدوم يوم القيامة وما ينطوي عليه من بعث وجزاء. كل هذه الحقائق لا تقبل الشك وقد أكدها الله – تعالى – بالقسم.
تفسير الآيات المتعلقة بسيدنا إبراهيم
بعد توضيح إنكار الكافرين للبعث، يسعى الله – تعالى – لتسلية النبي محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – بذكر قصص أنبياء سابقين واجهوا إنكارًا مثلما حدث مع النبي. ومن بين هؤلاء الأنبياء، نبي الله إبراهيم – عليه السلام – الذي يعتبر شيخ المرسلين وأبا الأنبياء الذين اتبعوه.
تناولت الآيات زيارة الملائكة لنبي الله إبراهيم – عليه السلام – بشكل بشري، حيث دخلو عليه وسلّموا عليه، فرد عليهم السلام دون أن يعرفهم، ثم ذهب لإحضار ضيافة فقدم لهم عجلًا، لكنهم لم يأكلوا منه، مما أثار الخوف في نفسه. طمأنته الملائكة بأنهم رسل من الله – تعالى – ليبشروه بغلام ذي شأن ورفعة.
عندما سمعت زوجته بهذا الخبر صُدمت بسبب كبر سنها وعقمها، فأخبرتها الملائكة بأن هذا هو أمر الله – تعالى -. ثم بعد البشارة، استفسر إبراهيم – عليه السلام – عن سبب قدومهم، فأخبروا أنه تم إرسالهم لعذاب قوم لوط الذين عصوا، وقد كُتب عليهم العذاب بينما أنجا الله المؤمنين.
وفي قرية لوط، لم يكن هناك سوى بيت واحد من المؤمنين، وهو بيت لوط، الذي أنجاه الله – تعالى – بينما عانت زوجته نتيجة كفرها. القصة تحمل عبرة بقاء عذابات لقرى قوم لوط لتكون تذكيرًا للناس بعذاب الله ووجب خشية الله في قلوب المؤمنين.
تفسير الآيات المتعلقة بعذاب الأمم السابقة
تستمر الآيات في تسليط الضوء على عذاب الأمم السابقة بعد ذكر قصة إبراهيم ولوط، لتعرض أحوال أقوام أخرى عاقبها الله – تعالى – بسبب كفرها، مثل قوم موسى. حيث أُرسل إليهم بمُعجزات لإقناع فرعون ومن معه، لكن فرعون كذّبه واتهمه بالسحر، فأخذه الله وعذّبهم وأغرقهم.
كما تعرض الآيات لعذاب قوم عاد الذين فُجِعوا بحسب ريح عاتية، وقوم ثمود الذين أنذرهم الله – تعالى – بعذابه وعصوا حتى حاقت بهم العقوبة، وأيضًا تُذكر قصة نوح – عليه السلام – وعذاب الطوفان الذي ذاقه قومه بسبب تجاوزهم للحدود.
تحذير من الشرك والإعراض عن عبادة الله
يتحدث الله – تعالى – إلى النبي ليُنذر قومه بالعذاب، ويأمرهم بعبادة الله وطاعته، لتحاشي مصير الأقوام السابقة التي كذبت رسلها. حيث أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ما هو إلا مُرسل من عند الله – تعالى – ليحض على الخيرات.
ويذكره الله – تعالى – أنه ما لاقاه من تكذيب قد جابه العديد من الأنبياء السابقين، ويأمره بالاستمرار في دعوة قومه وتذكيرهم بالقرآن؛ لعلهم يُقبلون على الإيمان. ويُبرز الله – تعالى – الأهداف السامية من خلق الإنسان، من ممارسات التوحيد والعبادة، محذرًا من أن من يعبث بكفره ويظلم نفسه سيلقى عذاب من سبقوه.