المقدمة: عطر الندى في حقلنا
على مر العصور، ورثنا ملكية هذا الحقل الذي ينشر الجمال في كل زواياه، ويبعث الطمأنينة في قلوب كل من يمر بجانبه. تتوجه الأنظار إليه بشغف، وذلك بفضل لونه الأخضر المشرق ورائحة الندى الفواحة التي تذكرنا بأجمل وأرقى العطور الفرنسية. هذه الروائح العطرة تترك أثرًا خالدًا في الذاكرة، مما يجعل لوحة هذا الحقل عملاً فنيًا فريدًا. إن رائحة هذا الحقل تضفي عليه طابعًا مميزًا يجعله مكانًا فريدًا، كأنه قطعة من الجمال صنعت خصيصًا لهذا المكان. كيف لا وهو ملك لجدّي الذي أهتم به والدي، وها أنا أواصل هذا التراث.
العرض: حقلنا مزار للخير المتجدد
لا يعد حقلنا كأي حقل عادي، بل هو مزرعة مشذبة بيد جدّي البيضاء التي كانت تتعرق بعد يوم من العمل المجهد وفرةً، يدٍ عرفت معنى الزراعة، فاعتنت بهذا الحقل ورعته حتى أصبح جنة خضراء تمتد إلى الأفق. كل ما نزرعه في هذا الحقل يزدهر بكرم كما لو أنه يجازينا على ما بذلناه من جهد وحب. يومياً، يشهد هذا الحقل مشهدًا متجددًا يبرز فيه الفلاحون الملتزمون بحياتهم، يمسكون بربوعه بحنان، ويتعاهدونه بالعناية، مستخدمين الأدوات الزراعية الأساسية في تحضيره. بفأس صغير، ينحتون حفرًا صغيرة لتعبئتها بالبذور، ثم يعيدون تغطيتها بالتربة، ويبدأون من جديد بعملهم المتواصل.
وبذات الأداة، يعتنون بالأشجار المزروعة بأطراف الحقل، ليتمكنوا من سقايتها بفعالية، مما يساعدها على النمو بسرعة. هذه الأشجار تتلقى رعاية خاصة، حيث تُقلم أغصانها وتُغذى بالسماد بين الحين والآخر، لتحافظ على رونقها وتقدم لنا ثمارها المتنوعة: كالتين والزيتون والعنب والتفاح والموز. في وضح النهار، نستظل تحت تفرعاتها الباردة، مانحةً طعمًا خاصًا لنهارنا. هذه الأشجار تطير بأغصانها إلى السماء، تمتص ثاني أكسيد الكربون، وتمنحنا هواءً نقيًا مليئًا بالأكسجين.
استطاعت هذه الأرض بخصائصها أن تمنح للحياة نكهة مميزة، فهي قد تركت أثرًا عميقًا في حياة كل من مر بها. يبدأ اليوم بأغاني الفلاحين التي تُعد جزءًا من التراث المتوارث، تلك الأغاني التي تعزز في نفوسهم النشاط والحيوية، مما يجعلهم يعملون بكفاءة طوال اليوم دون شعور بالملل. ومن هنا ينبع حبنا لهذه الأرض، ما ينعكس في غزارة نموها واختلاف ألوانها. يرسم ذلك مشهدًا فنيًا استثنائيًا، يُظهر عجائب خلق الله ورائع آياته في الكون.
وفي صباحات هذا الحقل، يستيقظ العالم على أنغام ندى الصباح، مشهد يختزن في ذاكرة كل من يراه، حيث تعطره الأجواء النقية وألوان الأعشاب الخضراء التي تزين الأرض في ربيعها. تحيط هذه الأعشاب بأزهار ملونة، منها الأبيض، والأحمر، والزهري، وكل منها يحمل رائحة فريدة. هذا المنظر الأخضر يجذب الزوار للاستمتاع بجماله الذي rejuvenates الأرواح. أما في المساء، فتسود المكان سكينة عميقة.
ما أجمل حبات القمح الذهبية وهي تنشر الخير في كل مكان! فور أن ينشرها الفلاحون في الأرض بعد حرثها، تبدأ بعون الله بالنمو، حتى تتغير ألوانها إلى الأصفر في فصل الصيف، لتكون جاهزة للحصاد بمناجلهم. يصحب ذلك عملية التذرية لنقلها إلى المطاحن، ومن ثم استخدامها في إعداد أشهى الأطعمة، خاصة الخبز والمعجنات. كيف لتلك الحبات الصغيرة أن تلعب كل هذه الأدوار، وكيف يترك عملها هذا أثرًا مهدئًا في النفوس، مما يشجع كل منا على مواجهة تحديات الحياة.
إن الزراعة تعد بمثابة مصدر دائم للخير، شريطة أن نعتني بها كما ينبغي. فهذا الحقل يمهّد لنا الطريق لانتظار موسم الحصاد، حاصدين ثمار عام كامل من العمل والجهد، ويتيح لنا قتل متطلبات الحياة الأخرى من ماء وكهرباء وملابس وأقساط مدرسية وغيرها. إن هذه الأرض كنز لا يعترف بقيمته إلا من يعرف سرها، حيث تقدم لنا ثروات تعكس حجم الجهد المبذول وتُحقق ما نحتاجه من موارد.
الخاتمة: رقص السنابل في الحقل
أما السنابل الصفراء فإنها ترقص على وقع نسمات الهواء العليلة التي تجوب الحقل الشاسع، هذا المنظر الخلاب يتجلى جماله في كل لحظة. هذه السنابل تتراقص بتوافق مع أنغام الموسم، تدور يمينًا ويسارًا، وكأنها تحتفل بابتداء يوم جديد مليء بالبهجة. يصبح هذا المشهد البديع أجمل عندما يتلاقى مع خيوط الغروب، ليخلقوا سويًا لوحة مشرقة تفيض بالخير والقمح، إذ تحتوي كل سنبلة على العشرات من حبات القمح، مما يجعلها تتألق بجمالها.