تخريج حديث عن فضل صيام شهر رمضان واتباعه بصيام ستة أيام من شوال

حديث (من صام رمضان ثم أتبعه) وروايته

جاء في صحيح الإمام مسلم -رحمه الله- عن أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ). وقد سجل الحديث في كتاب الصيام تحت باب استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان.

يُعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة وله العديد من طرق الرواية. فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه (1164)، وأبو داود في سننه (2433)، والترمذي في سننه (759)، والنسائي في السنن الكبرى (2862)، وابن ماجه في سننه (1716)، وأحمد في مسنده (23533)، بالإضافة إلى الطبراني في معجمه (3912)، مع اختلافات بسيطة في الألفاظ.

تفسير حديث (من صام رمضان ثم أتبعه)

يُشير الحديث إلى استحباب صوم التطوع في شهر شوال، مع تحديده بستة أيام، ويعكس فضلًا خاصًا مرتبطًا بصيام رمضان كاملاً. يُسمح بالصيام أن يكون متتابعًا أو متفرقًا في سائر أيام شوال، حيث يمكن للصائم البدء بعد عيد الفطر، أي في اليوم الثاني من الشهر.

أما عن فضل صيام هذه الأيام، فإن من يؤديها بعد صيام رمضان يُكتب له أجر مثل أجر من صام عامًا كاملاً دون انقطاع. وقد فسر بعض العلماء أن “الدهر” قد يُفهم أنه يشير إلى العمر كله، ووضحوا أن الشبه في الحديث مجازي؛ بمعنى أنه ليس مقصودًا الصيام المتواصل للدهر، بل الأجر المستحق.

وأشار بعض المفسرين إلى أن تحديد هذه الأيام يعود إلى قاعدة أن الحسنة تُضاعف بعشرة أمثالها، فيكون لأيام رمضان أجر عشرة أشهر، ولستة أيام من شوال مقابل شهرين، وبالتالي يصبح له أجر صيام سنة. وإذا استمر في ذلك كل عام ينال أجر صيام الدهر كاملًا.

حكم صيام الست من شوال

يُستحب صيام الست من شوال، لكن هناك تفصيل في هذا الأمر. فقد أبغض الإمام مالك صيام هذه الأيام مباشرةً بعد رمضان، بحيث لا تفصل بينها وبين رمضان إلا يوم العيد، خشية أن يعتقد الناس أنها من رمضان. كما أجاز أن تُصام بشكل متفرق، نظرًا لأن الناس قد يظنون أنها جزءً من الشهر الفضيل إذا أصر العلماء على صومها فورًا بعد رمضان.

واتفق الأئمة المتقدمة من الأحناف مع المالكية في كراهية هذا الصيام المتتابع، ولكن الكراهية عندهم ليست للصيام ذاته بل للتتابع، بنفس السبب المذكور سابقًا، وهو اعتقاد وجوب الصيام. وهناك رواية تقول إن الحديث لم يصل إلى الإمام مالك أو بلغه لكنه لم يثبت لديه، لأنه يحتوي على سعد بن سعيد الذي يُعتبر ضعيفًا.

أما الشافعية والحنابلة، فقد استحسنوا صيامها، حيث قال الإمام محمد الشافعي -رحمه الله- بوجوب صيامها متتابعةً بعد عيد الفطر مباشرةً، وأكد أن من صامها بعد ذلك يحظى بأجرها. في حين ذكر الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه لا فرق في فضل الصيام، سواء كان متتابعًا أو متفرقًا.

وقد أكد عبيد الله المباركفوري استحباب صيامها بشكل مطلق، مُشيرًا إلى أن الحديث يوضح ذلك بوضوح. كما أشار إلى أن من الواضح من موقف أبي حنيفة والإمام مالك -رحمهما الله- أنهما لم يتركا صيامها، ولكنهما كانا يخشيان من أن يعتقد العامة فرضيتها، وهو ما حصل فعلاً من بعضهم.

Scroll to Top