ترتيب سورة عبس من حيث نزولها في القرآن الكريم

سورة عبس: خلفيتها ونزولها

تُعَدّ سورة عبس واحدة من السور المكية، حيث أنزلت بعد الهجرة إلى الحبشة وقبل حدث الإسراء والمعراج. سُمّيت السورة بهذا الاسم بسبب الآية الكريمة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى). تتضمن السورة الكريمة اثنين وأربعين آية، وقد نزلت بعد سورة النجم وقبل سورة المدثر، ويأتي ترتيبها في نزول السور بحساب ترتيبها الرابع والعشرين في القرآن الكريم.

أطلق ابن العربي عليها في أحكامه اسم “سورة ابن أمّ مكتوم”، ولم يُذكر هذا اللقب من قبل غيره. كما أطلق الخفاجي عليها “سورة الصاخة”، في حين أشار ابن العيني في شرحه لصحيح البخاري إلى أن اسمها هو “سورة السفرة”، وأيضًا تُعرف بسورة الأعمى.

أهداف سورة عبس

أنزلت سورة عبس بهدف تعليم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيفية الموازنة بين الأمور في الدعوة، والسعي لتحقيق مصالح جميع الأطراف دون تفضيل أحد على الآخر. كما تضمنت السورة توضيح أهمية الاستجابة لمن يأتي إلى رسول الله طالبًا للعلم، حيث أُعطيت الأولوية في التعليم لنشر رسالة الإسلام، مما يساهم في نفعهم وتذكيرهم وتعزيز صبرهم وشكرهم لتحقيق أهداف الدعوة.

جاءت الآيات لتصحيح مسار القيم الإنسانية والأخلاق، ولتوضيح الأساس الذي يُبنى عليه التفضيل بين الناس، والذي يتمثل في تقوى الله. فالقيمة الأصيلة للإنسان تعتمد على إيمانه وسلوكه وأخلاقه، ومدى التزامه بالقيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام، كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ).

موضوعات سورة عبس

تتناول السورة حال الأعمى الذي جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرز مكانة القرآن الكريم وعظمتها. كما تناولت موقف أبي جهل من الإنكار للبعث والحساب، وذكرت الأدلة والبراهين على بعث الله للناس ومحاسبتهم على أعمالهم، بالإضافة إلى انشغال الناس بالمُتع الفانية في الدنيا.

تناولت السورة الاختلافات بين الناس يوم القيامة، حيث ذكر الله -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ* أُولَـئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ). وعامة، فإن الموضوعات التي تناولتها السورة تتمثل في النقاط التالية:

  • توجيه عتاب لطيف للرسول -صلى الله عليه وسلم- على تصرفه تجاه عبد الله بن أمّ مكتوم.
  • التأكيد على مكانة القرآن الكريم كوعظ ونجاة لمن يتفكر فيه.
  • تقديم مجموعة من الأدلة على وحدانية الله -تعالى- مثل خلق الإنسان والتفكر في ما أعدَّ له من رزق.
  • وصف بعض مشاهد وأهوال يوم القيامة.
  • تصنيف الناس يوم القيامة إلى أصناف؛ بين الشقي والسعيد.

سبب نزول سورة عبس

نزلت سورة عبس في تلك الفترة التي جاء فيها عبد الله بن أمّ مكتوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طالبًا العلم ورواية الأحاديث، وكان عبد الله رجلًا ضريرًا. في ذات الوقت، كان رسول الله متواجداً مع بعض من قريش يدعوهم إلى الإسلام، فأعرض رسول الله عن عبد الله طمعًا في إيمانهم. فجاءت الآيات مُعاتبة رسول الله على هذا التصرف.

وفي هذا السياق، روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قائلة: (أُنْزِلَ: عَبَسَ وَتَولَّى في ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الأعمى، أتى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فجعلَ يقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أرشِدني، وعندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رجلٌ من عُظماءِ المشرِكينَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُعرضُ عنهُ ويُقبلُ على الآخَرِ، ويقولُ: أترى بما أقولُ بأسًا؟ فيقولُ: لا، ففي هذا أُنْزِلَ).

Scroll to Top