تاريخ المدارس النظامية
تُعتبر المدرسة الشافعية واحدة من أبرز المدارس التي أُسست في بغداد، وقد وُسِمت بعهد الوزير السلجوقي نظام الملك، الحسن بن علي، حيث تم افتتاحها في عام 459 هـ. وقد شهدت المدرسة العديد من العلماء والأساتذة البارزين، مثل محيي الدين محمد بن عبد الله العاقولي الشافعي. وكان الرحالة ابن بطوطة، خلال زيارته لبغداد في عام 727 هـ، قد أشاد بمكانة هذه المدرسة.
تجدر الإشارة إلى أن السبب الرئيسي لإنشاء هذه المدارس كان تصاعد المد الشيعي والخطر الباطني الذي كان يسعى للتأثير على عقول وقلوب الناس. ولقد اعتبرت الدولة السلجوقية أن الحل في مواجهة هذا الفكر يكمن في تعزيز الفكر السني، لذا تم تكليف نظام الملك لإطلاق هذه المراكز العلمية.
الأهداف التعليمية للمدارس النظامية
عملت المدارس النظامية على تحقيق نهضة علمية ودينية، تتلخص في مجموعة من الأهداف، والتي تشمل:
- تحقيق عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى.
- التزام الأفراد بالتكاليف الشرعية.
- إصلاح النفس والمجتمع.
- توفير بيئة علمية ملائمة للأساتذة والطلاب.
- توسيع المدارك الفكرية للطلاب.
- نشر الفكر السني وتعاليمه.
- إعداد أساتذة مؤهلين لمواجهة الأفكار المغلوطة.
استراتيجيات نظام الملك لتحقيق الأهداف
في سعيه لتحقيق الأهداف المذكورة، اعتمد نظام الملك على مجموعة من الوسائل، منها:
- توفير الأماكن التعليمية:
أُنشئت المدارس النظامية في مواقع متعددة، وليس في موقع واحد فقط.
- اختيار الكوادر التعليمية:
حرص نظام الملك على اختيار الأكفاء من العلماء للتدريس في هذه المدارس.
- وضع المناهج الدراسية:
خصص نظام الملك المدارس للدراسة وفقًا لمناهج الشافعية، بما يشمل الأصول والفروع.
- توفير الدعم المالي:
عمل الوزير نظام الملك على تأمين الموارد المالية للمعلمين والطلاب، ليتسنى لهم التركيز على الدراسة دون أي انشغالات دنيوية.
- تحفيز الأساتذة على التدريس:
لم يقتصر الاهتمام على الطلاب فحسب، بل كان هناك إقبال كبير من الأساتذة الراغبين في التعليم في هذه المدارس.
- تحقيق الأهداف المنشودة:
كان نظام الملك حريصًا على أن تلبي هذه المدارس الرسالة التي أنشئت من أجلها، وتُسرع في القضاء على الفتن التي كانت تهدد المجتمع، مستلهمًا كلمات من الشاعر أبي الحسن الواسطي:
يا نظام الملك قد حــلّ
::: ببغداد النظــــــام
وابنك القاطن فيهــــا
::: مستهان مستضام
وبها أودى له قتلــــى
::: غلام، وغــــــلام
عظُم الخطبُ وللحرب
::: اتصـــــال ودوام
فمتى لم تحسم الــــداء
::: أياديك الحســــام
ويكف القوم فـــــــي
::: بغداد قتل وانتقام
فعلى مدرسة فيهــــــا
::: ومن فيها السلام
تأثير المدارس النظامية على العالم الإسلامي
تُعد المدارس النظامية من أبرز الوسائل التي ساهمت في نشر العلم وتعميمه، وحققت الأهداف التي رسمها نظام الملك من خلال تعزيز مكانة الكتاب والسنة وعقيدة أهل السنة والجماعة في الدولة، وقد أثمرت عن النتائج التالية:
- إعادة إحياء منهج السنة في حياة الأمة بشكلٍ قوي.
- تقليص نفوذ الفكر الباطني، خاصة بعد ظهور مؤلفات مناهضة له من داخل هذه المدارس.
- توسيع دائرة انتشار مذهب الإمام الشافعي، والذي بدأ يتفوق في العراق والمشرق الإسلامي.