التحليل الدلالي لقصيدة أنشودة المطر
تتضمن قصيدة أنشودة المطر، التي كتبها الشاعر بدر شاكر السياب، عدة دلالات عميقة:
- فرحة الكون وانبثاق السعادة حين يسود السلام والخير والتفاؤل.
عيناك حين تبسمان تورق الكروم وترقص الأضواء… كالأقمار في نهر
- الحزن العميق الناتج عن الأوضاع السائدة في العراق.
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
- الأمل الذي يحمل في طياته تجديد الحياة وولادة عالم جديد، حيث تلوح بشائر الحرية والانطلاق.
وكركر الأطفال في عرائش الكروم ودغدغت صمت العصافير على الشجر
- انتظار طويل مصحوب بالحزن والمأساة.
تثائب المساء والغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال
- تصميم الشاعر على الأمل في تحرير الوطن وعودة العراق حراً كما كان في الماضي.
قالوا له بعد غد ستعود لا بد أن تعود
- الاستعداد لمواجهة الظلم.
أكاد أسمع العراق يذخر بالرعود
الصورة الشعرية في قصيدة أنشودة المطر
تقدم الصورة الشعرية في القصيدة تركيباً عاطفياً وعقلياً يعبّر عن لحظات زمنية مميزة، وقد تميزت القصيدة بغزارة الصور الشعرية مثل:
- التشبيه.
- جمالية التشكيل اللغوي في الاستهلال الشعري.
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر عيناك حين تبتسمان تورق الكروم وترقص الأضواء… كالأقمار في نهر يرُجُّه المجداف وهنًا ساعة السحر
- تناغم الكلمات وانسجامها، سواء كان ذلك في الفاتحة الاستهلالية، أو في المحور النصي للقصيدة، أو في فاصلتها الختامية.
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء كنشوة الطفل إذا خاف من القمر! كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم وقطرةٌ فقطرةٌ تذوب في المطر وكركر الأطفال في عرائش الكروم ودغدغت صمت العصافير على الشجر
الرمز في قصيدة أنشودة المطر
يُعتبر الرمز في الأدب الحديث دلالة على مضمون أعمق يتجاوز المعاني الظاهرة. وفي قصيدة أنشودة المطر، يبزغ بوضوح تأصيل الشعرية من خلال المشاهد والصور المتحركة التي تحمل دلالات قوية.
إذا دقق القارئ في حركة الصور النصية وتحولاتها، سيلاحظ أنها تحمل طابعاً فعالًا في تقديم الرومانسية الشعرية، من خلال تجميع مكثف للكلمات ذات الصلة بالطبيعة الرومانسية، ومنها:
(مطر، عرائش، كروم، الأطفال، عصافير، الشجر، السحاب، الغيوم، الطل، السماء، ضباب، المساء، البحر، النجوم، الأضواء)
هذا يعني أن الشاعر يخاطب محبوبته أو الوطن، أو يرتبط بالأصالة والحياة، والمرأة في العراق، وبالثورة والولادة، والتكوين الجديد.
ولذا، استخدم الشاعر تقنيات جمالية مثل التكرار والجناس والتضاد والاستفهام، لتحريك السياق الشعري وتعزيز دلالاته الثورية، لتظهر الصورة الحلم في الثورة والتغيير، ومن أبرز الرموز المستخدمة:
- (المطر): بوصفه رمزًا مركزيًا في القصيدة، يتسم بالثبات والتكثيف. وهذا يظهر جليًا في قوله:
مطر….مطر….مطر….
المطر يحمل دلالات واسعة تلخص هموم النفس البشرية، حيث يجعل الشاعر من وطنه العراق محبوبته، ويعبر عن أمله في الخير والخصب، مما ينبه إلى بعض القضايا الاجتماعية كالفقر والجوع، رغم وجود الخير في بلده.
تثاءب المساء، والغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام بأمه التي غابت عنه منذ عام.
- النخيل.
- المرأة.
لقد جعل السياب من تلك الرموز الجديدة في فترة إبداعه في قصائد “أنشودة المطر”، ولذا حاول مجددًا تحسين أساليب التعبير، والتجديد في الموضوعات والصور، فكانت نتاجاته تعكس سعيه المستمر للتفرد في طرق وأدوات التعبير.
الأسطورة في قصيدة أنشودة المطر
الأسطورة تروي أحداثاً تاريخية تتداخل فيها الحقائق مع العناصر الخارقة بشكل أدبي متناغم. يتطلب من الشاعر إعادة صياغة تلك الصور والأحداث المبهجة في نصه بطريقة تحافظ على جماليات الأسطورة من دون أن تفسد المعاني العامة.
أسطورة عشتار، متمثلة في ارتباطها بتموز، تتجلى في هذه القصيدة. فقد استخدم السياب الأسطورة في أبعادها الدلالية والإيحائية، مبرزًا الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويعيد لذلك أيضاً تصوير أسطورة عشتار؛ بحثًا عن القرب منها والاعتزاز بمحاسنها.
التحليل الصوتي لقصيدة أنشودة المطر
تتجلى الموسيقى الشعرية في القصيدة في صورتين:
الموسيقى الداخلية
وهي النغمة الخفية التي يشعر بها القارئ خلال تفاعله مع النص سواء كان شعرًا أو نثرًا، تبعث على الحماس أو الحزن وتثير حنين النفس.
الموسيقى الخارجية
تتعلق بالموسيقى الناتجة عن القوافي وتدرس ضمن علوم العروض المرتبطة بالشعر.
التحليل التركيبي لقصيدة أنشودة المطر
تتميز معظم أبيات المشهد الأول بوجود فعل مضارع في كل بيت، إذ يغلب عليها صفة الفعل المضارع، وأحياناً نجد (فعلين)، مثل المثال:
عيناك حين تبتسمان… تورق الكروم
التحليل الصرفي لقصيدة أنشودة المطر
تنوعت التصريفات اللغوية في نص القصيدة، ومن أبرزها:
- اسم الفاعل
ظهر اسم الفاعل في القصيدة بقول الشاعر: “واهب اللؤلؤ”، حيث أن تركيب هذا التوظيف يدل على:
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
اسم الفاعل هنا يؤشر إلى الحركة والتجدد، فالسياب استخدم اسم الفاعل (واهب) ليعبر عن حالته الداخلية ورؤيته.
إن بنية اسم الفاعل المصاغة من المصادر الثلاثية مثل: واهب تتحدد بها مظاهر حياتية، لكنها تعكس القوة والهمة، وهي حالتان من أحوال الفاعل.
- اسم المفعول
يدل اسم المفعول على الحدث وما وقع عليه، مثلما يظهر في قول الشاعر:
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟ بلا انتهاء – كالدم المراق كالجياع الحب، كالأطفال، كالموتى، هو المطر!
- اسم الزمان والمكان
يستخدم اسم المكان للدلالة على موضع وقوع الفعل، بينما اسم الزمان يشير إلى زمن حدوثه، مثل المثال:
وفي العراق جوع وينثر الغلال فيه موسم الحصادلتشيع الغربان والجرادوتطحن الشوان والحجر
استخدم الشاعر لفظة (موسم) كاسم زمان، فهي مصاغة بحسب الأوزان المعروفة.
- اسم الآلة
اسم الآلة يعبر عن الوسيلة المستخدمة لأداء الفعل، ويصاغ من الفعل الثلاثي. وفي القصيدة يقول السياب:
عيناك حين تبتسمان تورق الكروم وترقص الأضواء… كالأقمار في نهريرجه المجداف وهنا ساحة السحركأنما تنبض في غوريهما، النجوم
(المجداف) اسم الآلة على وزن مفعال، والشاعر يجعله مفردًا ليقوي من تأثيره الدلالي.
أبرز الآراء النقدية حول قصيدة أنشودة المطر
من بين أبرز الآراء النقدية التي وجهت إلى القصيدة:
- الناقد عبد اللطيف شرارة، في تعليقه الأول على القصيدة، أشار إلى أن هذه القصائد تعبر عن تحرر الشاعر من قيود المدرسة العربية.
- قال الشاعر أدونيس في مقدمته لمختارات من شعر السياب، إن عشر قصائد من أعمال السياب تُعد من أهم القصائد العربية الحديثة، وذُكرت معظمها في ديوان أنشودة المطر.
- قدم إيليا حاوي دراسة نقدية تناولت ديوان أنشودة المطر، حيث أشار إلى تشتت الموضوع في بعض مقاطع القصيدة.