القراءة التوجيهية
تمثل القراءة التوجيهية استكشافًا أوليًا للمؤشرات الخارجية المرتبطة بالمظهر العام للكتاب، بما في ذلك الصورة الموجودة على الغلاف والعنوان. تعمل عتبات النص على تحقيق وظيفتين رئيسيتين: الأولى جمالية تهدف إلى تزيين الكتاب وإبرازه، والثانية تداولية تهدف إلى جذب انتباه القارئ وتحفيزه لفتح الكتاب والتفاعل مع محتواه.
عناصر القراءة التوجيهية
عند القيام بعملية القراءة التوجيهية، ينبغي مراعاة مجموعة من العناصر الأساسية التي تشكل هذه القراءة، ومنها:
الغلاف
يعتبر الغلاف بمثابة المدخل الأساسي للنص، حيث يمكّن القارئ من استكشاف الأعماق الخفية للكتاب. تُعتبر صورة الغلاف العنصر الأول الذي يجذب انتباه القارئ، إذ يمكن أن تعكس دلالات متعددة، سواء كانت مباشرة أو مجازية. لكي يكون الغلاف قادرًا على جذب الانتباه، يجب أن يتمتع بخصائص التناسب والمرونة البصرية، فالعيون تنجذب إلى العناصر الكبيرة، والأشكال الواضحة، والصور المحفزة، والألوان الجذابة.
يمثل اللون علامة بصرية تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز دلالة النص، حيث يؤثر في نفسية المتلقي. لذا يتوجب التركيز على أبعاد اللون ودرجاته، مما يضفي إثارة شعورية تُخزّن في الذاكرة. يُطرح السؤال المهم: ما العلاقة بين الصورة المستخدمة في الغلاف ومضمون النص؟
العنوان
يمثل العنوان أداة التواصل اللفظي الأولى التي تواجه القارئ، ويجذب اهتمامهم ليطلعوا عليه. كما يُساعد العنوان في تحديد هوية النص والإشارة إلى محتواه. يُعتبر العنوان من العتبات النصية المهمة، إذ يسهم في توضيح دلالات النص واستكشاف معانيه الظاهرة والباطنة. كما يدفع العنوان القارئ إلى المزيد من القراءة من خلال تراكم التساؤلات في ذهنه، مما يجعله يسعى إلى الدخول في عالم النص بحثًا عن إجابات لهذه التساؤلات.
تتم دراسة العنوان من الناحية التركيبية والدلالية؛ حيث يتم دراسة تركيب العنوان من خلال المفردات ومعانيها الظاهرة، بينما تركز الدراسة الدلالية على الرموز والإيحاءات التي تعبر عنها هذه المفردات.
المؤلف
يشمل التحليل التعريف بالمؤلف، موضحًا اسمه، تاريخ ميلاده، نشأته، البيئة التي نشأ فيها، تعليمه، وأهم مراحل حياته التي أثرت في أدبه. كما يتعين أيضًا التعرف على أهم الأدباء الذين كانوا له تأثير، والمدرسة الأدبية التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى أعماله الأدبية التي تشكل رصيده الثقافي. ويفضل إنهاء الدراسة بذكر تاريخ وفاته.
جنس النص الأدبي
يتم تحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص، سواء كان رواية، أو قصة قصيرة، أو دراسة، أو ديوان شعري.
فرضيات القراءة
تمثل فرضيات القراءة توقعات القارئ المتعلقة بالنص، والتي تتكون في ذهنه بناءً على صورة الغلاف، والعنوان، وخلفية الكاتب الثقافية، بالإضافة إلى تصورات الشخصيات والأحداث المرسومة.
مثال تطبيقي على القراءة التوجيهية
يمكن تطبيق القراءة التوجيهية على رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ على النحو التالي:
- التعريف بالمؤلف
نجيب محفوظ هو كاتب روائي مصري بارز، وُلد في القاهرة عام 1911م. التحق بكلية الآداب وتخرج من قسم الفلسفة. صدرت روايته الأولى بعنوان “عبث الأقدار”، وتوجه بعد ذلك نحو الروايات التاريخية ثم الواقعية الرمزية. وقد حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1988م، ومن أبرز أعماله “أولاد حارتنا”، “ثرثرة فوق النيل”، و”اللص والكلاب”. توفي نجيب محفوظ في عام 2006م.
- العنوان
يجمع العنوان بين عالمين، يتمثل أحدهما في البعد الإنساني من خلال اللص، بينما يمثل الآخر البعد الحيواني من خلال الكلاب. كما يتضمن العنوان دلالة على عنصر المطاردة الذي يجمع بين اللص والشرطة، مما يبرز فرضيات الجريمة والمطاردة.
- صورة الغلاف
تتميز صورة الغلاف بكونها لوحة فنية تمثل رجلًا يصوب مسدسًا نحو جهة غير مرئية، وامرأة ترتدي ملابس عصرية متألقة بأحمر الشفاه والمجوهرات، بينما تحاول التسلل إلى بناية في خفاء، حاملة علبة في يدها اليسرى وحقيبة في اليد اليمنى، ويغلب على ملامحها التعبير عن الدهشة والخوف. كما يظهر ظل كلب بوليسي يتربص في المقبرة. عنوان الرواية مكتوب بخط أبيض بارز في أسفل الغلاف، بينما يظهر اسم المؤلف في الزاوية العليا اليمنى بلون أسود على خلفية زرقاء تُعبر عن امتداد السماء.
- جنس النص
لا يتضمن النص أي إشارة صريحة توضح جنسه الأدبي، ولكن استنادًا إلى مؤشرات العنوان والغلاف والكاتب، يتبين أنه رواية تندرج ضمن فئة الروايات الرمزية، وتتكون من 18 فصلاً.
- فرضيات القراءة
تطرح مجموعة من الأسئلة التي تدور في ذهن القارئ، ومنها:
- من هو اللص في الرواية؟
- لماذا تُطارده الكلاب؟
- من تكون المرأة التي تظهر في الغلاف؟
- ما الخطة التي يستخدمها اللص للإفلات من قبضة البوليس؟
- ما الرسائل التي يسعى الكاتب لإيصالها من خلال روايته؟