تاريخ فن الفسيفساء عبر العصور

تاريخ فن الفسيفساء

يعتبر فن الفسيفساء من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، حيث يتم تشكيل الرسوم الفسيفسائية من قطع صغيرة من الزجاج الملون، أو الحجارة، أو مواد أخرى. قديماً، كانت هذه القطع تُصنع من المواد المتاحة محليًا مثل الحجارة، والأصداف، والعاج. في ما يلي، نقدم نظرة شاملة على تاريخ فن الفسيفساء:

الفسيفساء في الحضارة السومرية

كانت الحضارة السومرية الرائدة في استخدام الطوب أو الزجاج بأحجام صغيرة لتزيين جدران المباني بأشكال هندسية متنوعة. وقد ساهمت هذه الحضارة بشكل كبير في تطوير فن الفسيفساء، حيث يُعتبر معبد الوركاء في مدينة بابل من أوائل الأعمال التي تم تنفيذها بهذه الطريقة، مما يُشكل بداية فن الفسيفساء.

ومن الأمثلة التي أسهمت في بروز هذا الفن في بلاد ما بين النهرين، الأعمدة التي زينها السومريون بأسلوب شبيه بالفسيفساء في مدينة أوروك في بداية القرن 30 قبل الميلاد، فضلاً عن جدارية مشخوشو الوحش التي ترمز إلى الإله مردوك على بوابة عشتار في مدينة بابل.

الفسيفساء في الحضارة اليونانية

استخدمت الحضارة اليونانية الفسيفساء في القرن الخامس قبل الميلاد لتزيين أرضيات الحصاة، حيث كانت الأشكال هندسية بسيطة وألوان فاتحة. ومع نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، بدأ اليونانيون في استخدام الألوان وشرائح الطين أو الرصاص لتحديد الخطوط العريضة، وتجاوزت الفسيفساء في القرن الثالث قبل الميلاد لتصبح فناً بحتاً، حيث استخدمت في إنشاء لوحات تفصيلية وجدرانية.

خلال القرن الثاني قبل الميلاد، ابتكر اليونانيون قطعًا تعرف بالقطع الرمزية (باليونانية: emblemata)، وهي قطع فسيفساء صغيرة بمقاس 40 × 40 سم، تم تطويرها باستخدام تقنيات متقدمة في التلوين والتظليل لإنشاء تأثير يشبه الرسم، وكانت تحمل قيمة كبيرة، إذ أعيد استخدامها في مختلف الحضارات.

الفسيفساء في الحضارة الرومانية

استفادت الحضارة الرومانية من الفسيفساء في تزيين الجدران والنوافير والأرصفة والأرضيات، حيث حافظ الرومانيون على أنماط وأشكال التصميم المستخدمة في الإغريق، لكنهم أضافوا المزيد من الألوان والظلال، بالإضافة إلى بعض الأعمال التصويرية. ومع انتشار المسيحية، أصبحت الفسيفساء التصويرية جزءًا لا يتجزأ من تزيين جدران وأسقف الكنائس.

كما اتبع الرومانيون أسلوبًا تمثيليًا ذا طابع ديني لتشكيل اللوحات في الكنائس، واستخدموا موادًا ثمينة مثل الذهب والأحجار الكريمة، كما هو الحال في الجزء الداخلي من كنيسة القديس مارك الذي غُطي بفسيفساء ذهبية رائعة، وكذلك ردهة القديس مرقس التي تم تزيينها بـ110 مشهد من منمنمات سفر التكوين.

الفسيفساء في الحضارة البيزنطية

تعتبر الفسيفساء من الخصائص البارزة في العمارة البيزنطية، حيث ابتكر فنانو الفسيفساء البيزنطيون أسلوبًا جديدًا لتشكيل الفسيفساء الزجاجية باستخدام ملاط لاصق بزاوية حادة لعكس أكبر قدر ممكن من الضوء، مما أدى إلى خلق فسيفساء متنوعة ومتلألئة. استخدمت الحضارة البيزنطية الفن التوراتي في الفسيفساء لتزيين الكنائس مثل كنيسة آيا صوفيا، والمباني الأخرى في جميع أنحاء الإمبراطورية.

الفسيفساء في الحضارة الإسلامية

جلت الفسيفساء بأشكال زخرفية بارزة في الحضارة الإسلامية، حيث استخدمت لتزيين المساجد، ويعتبر هذا الفن أحد أشكال الزخرفة الأساسية في الفن الإسلامي. اعتمد الفنانون المسلمون على التصاميم التجريدية والهندسية بدلاً من الأعمال التصويرية، مستخدمين الفسيفساء المصنوعة من الحجر والزجاج والسيراميك. ومن أبرز أمثلة الفسيفساء الإسلامية هي المسجد الكبير في قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة.

Scroll to Top