مفهوم الإيمان
الإيمان في اللغة يعني القبول والاعتقاد والاعتراف، ويكون موضعه في القلب.
أما من الناحية الشرعية، فيُعرَّف الإيمان بأنه الخضوع والإقرار والاستسلام، ومكانه القلب، ويتجلى ذلك من خلال العمل. يشمل الإيمان التصديق القاطع بالله سبحانه وتعالى، وتوحيده، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر سواء كان خيراً أو شراً.
أركان الإيمان
يحتوي الإيمان على ستة أركان، كما ورد في حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن مفهوم الإيمان. فأجابه رسول الله أن أول ركن هو الإيمان بالله تعالى، يليه الإيمان بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، ثم الإيمان بالقدر سواء كان خيراً أو شراً.
وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله جبريل: (فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره). يجب التصديق والاعتراف بجميع هذه الأركان؛ فلا يصح إيمان الشخص بواحد منها أو ترك البعض، ولا يُمكن أن يُطلق على العبد لقب “مؤمن” ما لم يُقر ويصدّق بكل هذه الأركان.
الإيمان بالله
الإيمان بالله يتمثل في الإقرار بوجوده سبحانه وتعالى واستحقاقه للعبادة وحده. وقد فُطر الإنسان على التوحيد، كما أوضح الله تعالى في قوله: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
الله سبحانه هو خالق الكون وما فيه، وهو المتحكم في كل شيء، بيده الرزق والتدبير. كما قال -سبحانه-: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون). وقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسَيقولون الله فقل أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق فما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون).
ووجب التصديق والإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته التي دلّت عليها الآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية، فالله لا يشبه أحداً، وهو متفرد بذاته وصفاته وأسمائه. قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
الإيمان بالملائكة
الملائكة هم مخلوقات الله تعالى وعباده المكرمون الذين لا يعصونه أبداً. قال تعالى: (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). وهم يختلفون عن البشر في تكوينهم، حيث أن خِلقهم عظيم، ويتميز كل ملك بصفات خاصة. فمنهم من لديه جناحان، ومنهم من يمتلك أكثر من ذلك، وقد قيل أن الملك جبريل له 600 جناح. وكلف الله تعالى الملائكة بمهام محددة؛ فمنهم من وُكل بالوحي، مثل جبريل عليه السلام، ومنهم من وُكل بالمطر، مثل ميكائيل.
ومن بينهم ملك الموت، ومَلَك إسرافيل الذي يُكلّف بالنفخ في الصور، وملك خازن النار المسؤول عن نار جهنم. وهناك ملائكة يحملون العرش، وآخرون يقومون بكتابة حسنات وسيئات العباد، ولا يزال هناك ملائكة تُعرف بأسمائها في النصوص الشرعية وأخرى لا يُذكر اسمها، ولهم مهام كثيرة في تلك السماوات والأرض. كما ورد في قوله تعالى: (فالمُدبرات أمراً).
الإيمان بالكتب
يُعتبر الإيمان بالكتب السماوية تصديقاً قاطعاً بجميع الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله والاعتراف بوجودها. قال تعالى: (آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله).
إن الكتب السماوية منزلة من الله تُخرِج الناس من الظلمات إلى نور الهداية والحق، وتحتوي على تشريعات الله تعالى وأوامره ونواهيه، وتشتمل على الترغيب بجنات النعيم والترهيب من عاقبة الظالمين. كما ورد في قوله تعالى: (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد).
وتشمل الكتب السماوية خمسة وهي: التوراة، الإنجيل، الزبور، صحف إبراهيم وموسى، والقرآن الكريم الذي أُنزل على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن فقط، فهو الكتاب الذي لا يُحرف ولا يُؤوَّل.
الإيمان بالرسل
يتطلب الإيمان بالرسل التصديق الجازم بأن الله تعالى أرسل لكل أمة رسولاً ينقل رسالة التوحيد ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، والإيمان بأنهم أدوا مهمتهم بشكل كامل. فقد بشّروا الناس بوعد الله عند اتباع دين الحق، وحذروهم من سلوك الباطل. والإيمان بالرسل واجبٌ، ولا يُصحح إيمان العبد إلا بالإيمان بجميعهم. قال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والأنبياء).
الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بكل ما يسبقه من أحداث وما يحدث خلاله. ومن هذه الأحداث: البرزخ، والبعث والنشور، والعرض، والميزان، والحساب، والصحف، والفوز بالجنة أو دخول النار. يجب التصديق بكل هذه المواقف الغيبية والإيمان بها بعقيدة راسخة.
ولا يكتمل إيمان العبد إلا بالإيمان بهذه الأمور. وقد ربط الله تعالى الإيمان به مع الإيمان باليوم الآخر في الكثير من مواضع القرآن الكريم، كما في قوله -سبحانه-: (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر).
الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقدر هو الإقرار والتصديق الجازم بعلم الله تعالى وقضائه وتدبيره في كل الأمور، سواء كانت خيراً أو شراً، وأنه عز وجل يتحكم فيها ويخلقها، وأن لكل إنسان قدراً مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل الخلق بإرادة الله.
ولا يخرج عن مشيئته شيء، حيث جعل الله تعالى الإنسان مخيراً في الكثير من أفعاله رغم علمه المسبق بالنتائج. وأيضًا بيده هدايتهم وإضلالهم، وهذا يعد دليلاً على حكمته وعظيم سلطانه.