تفسير سورة يوسف ودروسها المستفادة

نبذة عن سورة يوسف

سورة يوسف تُعد من السور المكية المتفق عليها، وهي من السور التي نزلت بعد سورة هود.

وقد نزلت هذه السورة في فترة حرجة من الدعوة المكية، وتحديداً بين عام الحزن وبيعة العقبة الأولى، حيث ازدادت معاناة كفار قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، مما أدى إلى إذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة إلى الحبشة. جاءت هذه السورة الكريمة كوسيلة لتثبيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقديم تسلية له، إضافةً إلى كونها بشرى بالفرج والتمكين بعد فترة من الضيق والاضطهاد.

سورة يوسف تُركز على قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- وتعتبر موضوعها الرئيسي. تأتي سورة يوسف في السورة الثانية عشرة في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي أيضاً في الجزء الثاني عشر، وتحتوي على مئة وإحدى عشرة آية.

علاقة السورة بما قبلها وبعدها

علاقة السورة بما قبلها

من المهم الإشارة إلى العلاقة بين سورة يوسف وما سبقها، أي سورة هود. حيث جاءت سورة يوسف كتكملة لما ورد في سورة هود من أخبار الأنبياء -عليهم السلام-، بغرض التأكيد على صدق نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن القرآن هو وحيٌ من الله تعالى. ورغم وجود اختلافات بسيطة بين السورتين، إلا أن سورة هود تناولت قصص الأنبياء وكيف كانت دعواتهم لأقوامهم، وصدود الكفار لهم، وعاقبة المؤمنين والمكذبين، لتكون عبرةً لقريش ولمن كذّب من العرب.

في المقابل، تفصّل سورة يوسف أحداث قصة يوسف -عليه السلام- بتفاصيل دقيقة، بدءاً من خروجه من بيت أبيه وتربيته بعيداً عن أهله، وصولًا إلى بلوغه ونبوته، ثم تبوئه لمنصب الملك وإدراجه بالشأن السياسي، مما جعله قدوةً صالحة للناس، لتكون بذلك أطول قصة في القرآن الكريم.

علاقة السورة بما بعدها

أما بالنسبة لعلاقة سورة يوسف بما يُتبعها من سور، أي سورة الرعد، فهي علاقة واضحة؛ إذ الهدف من سرد قصص الأنبياء -عليهم السلام- ودعواتهم في القرآن هو التأثير في الناس وهدايتهم، بالإضافة إلى التذكير بآيات الله -تعالى- في الكون وحث الناس على التفكير والتدبر في خلق الله.

تسعى سورة الرعد أيضاً إلى ذات الهدف المتمثل في إرشاد الإنسان وتوجيهه، وبدأت بآيات تتحدث عن قدرة الله، حيث ورد فيها قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَها ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجري لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُم بِلِقاءِ رَبِّكُم توقِنُونَ).

أسباب نزول سورة يوسف

تعددت الأقوال حول سبب نزول سورة يوسف، وفيما يلي أبرز هذه الأقوال:

  • الرأي الأول:

يرى بعض العلماء أن سورة يوسف نزلت بدون سبب محدد، نظراً لعدم ثبوت معظم الروايات التي تفسر أسباب النزول، ويرجع ذلك إلى أن بعض الآيات تشير إلى وجود سائلين قد تكون السورة إجابة لهم.

كما جاء في قوله تعالى: (لَقَد كانَ في يوسُفَ وَإِخوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلينَ).

  • الرأي الثاني:

ويرى البعض أن مجموعة من اليهود قد كتبت إلى كفار قريش تطلب منهم اختبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبر سؤاله عن نبيٍ خرج من الشام إلى مصر وما جرى له، وعندما طرح المشركون في مكة هذه الأسئلة، نزل الله -تعالى- بسورة يوسف بصورتها الكاملة والتفصيلية.

وهو ما يُعتبر دليلاً على تحدي الله -تعالى- لهم بالإتيان بمثل هذه السورة، حيث عجزوا عن ذلك.

  • الرأي الثالث:

ذكر بعض المفسرين أن اليهود سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أحد الأشخاص الذين فارقهم أبناؤهم حزنًا، وتم ذكر السورة في هذا السياق.

  • الرأي الرابع:

حيث يقول بعض العلماء إن سبب نزول السورة الكريمة هو طلب الصحابة -رضي الله عنهم- من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقص عليهم القصص بعد ما نزل عليهم الكثير من القرآن الكريم، فأجاب الله -تعالى- بما يُثبت ذلك في قوله: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلين).

وهذا يتناسب أيضاً مع ما رُوي عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرأ عليهم آيات ثم تمنى عليهم أن يقص عليهم المزيد، فتوالت الآيات بعدها.

الظروف التي نزلت بها السورة

نزلت سورة يوسف كوسيلة لدعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلال الفترات العصيبة والمآسي، حيث فقد عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.

تعكس السورة الكريمة أن الفرج قادم مهما كانت التحديات، كما يتوضح من خلال معانات يوسف -عليه السلام- التي بدأت بقصته مع إخوته وامتدت إلى محنته في السجن.

كما تظهر السورة أنه عندما يتعرض المؤمن لصعوبات، فإن الصبر سيؤدي إلى النصر والتمكين، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: (وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ).

عفة سيدنا يوسف

تعتبر قصة يوسف -عليه السلام- درساً تربوياً شاملاً للجميع، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، فبعد أن أدخل عزيز مصر يوسف إلى بيته، نشأ وأصبح محط أنظار الجميع ليس فقط لجماله ولكن أيضاً لفضله.

تعلقت به زوجة العزيز وأظهرت رغبتها الجارفة، ولكنه قاوم إغراءاتها وأثبت عفته، مما أدى إلى انتشار القصة وكذلك لتأكيد قوة شخصيته. كما جاء في قوله تعالى: (وَقالَ نِسوَةٌ فِي المَدينَةِ امرَأَتُ العَزيزِ تُراوِدُ فَتاها عَن نَفسِهِ قَد شَغَفَها حُبًّا إِنّا لَنَراها في ضَلالٍ مُبينٍ).

قررت المرأة مواجهة السوء الذي يطالها من نساء المدينة، ودعتهن لوليمة، وعندما حضرن وأدخلت يوسف -عليه السلام-، تأثّرن بجماله فأبهتهن.

نتيجةً لذلك، تآمرت النساء على يوسف -عليه السلام- ولكنه اختار السجن على مراودة النساء عنه.

الدروس والعبر المستفادة من سورة يوسف

الإشارات والدروس المستمدة من سورة يوسف تتلخص في:

  • أهمية العدالة بين الإخوة، إذ أن تفضيل يعقوب ليوسف -عليهما السلام- كان من الأسباب المؤدية لمؤامرة إخوته.
  • تحمل الشدائد دون تذمر، كما تجلى في صبر يعقوب -عليه السلام- عندما أُخبر أن الذئب قد أكل يوسف.
  • رحمة الله بأوليائه، حيث يظهر هذا اللطف غالباً في أوج الضيق، كما حدث مع يوسف.
  • نصرة الله لأوليائه كما يتبين في شهادة الشاهد من أهل امرأة العزيز التي برأت يوسف -عليه السلام- من الدعاوى الباطلة.
  • الثبات على الحق، وهو ما ميز يوسف في محنته مع النساء، حيث اختار الصبر على الفاحشة.
  • الإحسان للآخرين يمكن أن يؤدي إلى كسب قلوبهم، كما ظهر في استقبال يوسف للسجناء بدعوته.
  • الحق سيتجلى حتى بعد حين، حيث أظهرت شهادة امرأة العزيز موسيقى الحق بعد ظلمه.
  • الشكوى لله وحده، وهو ما يتضح في ما فعله يعقوب في حزنه بفقد ابنه.

موضوعات سورة يوسف

تعد رواية يوسف -عليه السلام- من أعظم القصص في القرآن، وقد وصفها الله -عز وجل- بأنها أحسن القصص لما تحمله من عبر ومعاني عميقة.

من بين الموضوعات الرئيسية في السورة:

  • رؤيا يوسف -عليه السلام-:

تبدأ القصة عندما يخبر يوسف والده يعقوب -عليه السلام- برؤياه، مما يشير إلى مكانته عند الله.

  • إخفاء الرؤيا بسبب حسد الإخوة:

أوصى يعقوب يوسف بعدم إخبار إخوته برؤياه حتى لا يؤذوه.

  • حسد الإخوة ومكرهم:

بعدما أحاط الحسد بإخوته، ابتدأوا بالتفكير في التخلص منه بأية وسيلة.

  • مؤامرة التخلص من يوسف:

نظم الإخوة خطة لوضع يوسف في بئر، ومن ثم إيهام والدهم بأنه قد أكله الذئب.

  • خروج يوسف من البئر:

نجا يوسف من البئر بفضل قافلة مرت ووجدته، وتم بيعه كعبد.

  • فتنة الشهوة والإغراء:

تعرض يوسف لفتنة زوجة العزيز، لكنه ثبت وفضل السجن على الفاحشة.

  • دخول السجن:

برغم الشهرة، اختار يوسف السجن بدلاً من الزلل.

  • مكانة يوسف في مصر:

عين الملك يوسف كعزيز بعد أن أثبت قدراته في إدارة الأمور.

  • مجاعة في البلاد:

توجه إخوته إلى يوسف طلباً للمساعدة بينما لم يتعرف عليهم.

  • لقاء يوسف بأبيه:

في النهاية، تعرف يوسف على إخوته، وعفا عنهم وعاد إلى أبيه، في مشهدٍ مؤثر من لم الشمل.

Scroll to Top