تحليل شعر “حديقة الغروب” للشاعر غازي القصيبي

مراجعة قصيدة “حديقة الغروب” للشاعر غازي القصيبي

التحليل الموضوعي

عند النظر إلى أجزاء القصيدة، نتبين أنها تتألف من خمسة مقاطع مختلفة، يتناول كل منها مواضيع متنوعة، لكنها تدور جميعها حول محور واحد وهو تقدم الشاعر في العمر. يبدأ الشاعر بالحديث عن بلوغه سن الخامسة والستين، مما يشعِره بقربه من الموت.

ورغم ذلك، يواصل الشاعر ارتحاله وسفرياته ويعمل على بناء أمجاده. يتساءل في بعض الأبيات عما إذا كان قد وصل إلى مرحلة التعب والملل، ويسأل عن أصدقائه وما حلّ بهم بعد تراجع تواصلهم، كما يتجلى في الأبيات التالية:

خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ

:::أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت

:::إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا

:::يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ

:::سوى ثُمالةِ أيامٍ.. تذكارِ

بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا

:::قلبي العناءَ!… ولكن تلك أقداري

بعد ذلك، يخاطب الشاعر زوجته، معربًا عن امتنانه لشراكتها معه في حياته حتى هذا العمر. يذكر أنها أنجبت له ولديْن، وأنها أحبته عندما كان شابًا، ورعته عندما شاخ. يعبر لها عن استمرارية حبه، ويطلب منها أن تتحدث للناس عن حبه الدائم حتى بعد وفاته.

في المقطع الثالث، ينتقل الشاعر إلى موضوع جديد، معلنًا عن وصوله إلى مرحلة الشيخوخة وقرب وفاته. يصف نفسه بالشبح الذي فقد قوته، مؤكدًا أنه لم يكن يومًا بطلاً. ثم يتحول للحديث عن وطنه، معبرًا عن خدمته له، ويطلب من الوطن أن يذكره كوفيٍّ لم يخن نفسه أو قلمه.

التحليل الفني

وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه

:::ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ

ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ

:::يهيمُ ما بين أغلالٍ. وأسوارِ

هذي حديقة عمري في الغروب.. كما

:::رأيتِ… مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ

الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ

:::والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ

لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي

:::فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري

وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً

:::وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ

عند تدقيق النظر في هذه القصيدة، يبرز استخدام الشاعر للخيال والتصوير الفني في خدمة موضوعه. فعلى سبيل المثال، في المقطع الثالث، يصف جمال فتاة تظهر في الفجر تسعى لكسب ودّه، لكن الشاعر يصدها برقة، مشيرًا إلى تقدمه في السن. تمثل هذه الرمزية عمق موضوع الكبر في العمر.

يُشبه الشاعر نفسه بحديقة كانت مزدهرة بالأشجار والورود، ولكنها اليوم تتجه نحو الموت. يتجلى ذلك بالتعبير عن الغروب، ما يؤدي إلى انزياح دلالي، حيث ترمز الحديقة إلى الشاعر، بينما يمثل الغروب الموت. ومع ذلك، يوحي وصفه لنفسه بالحديقة بأنه كان نبع عطاء وإبداع.

يتطرق الشاعر إلى طلب من الفتاة أن تتمسك بكتاباته، كونها تعكس أفكاره وتجربته. وهو يسعى لتخليد نفسه من خلال أعماله الأدبية، حيث تظل الكتابات التداولية تعزز من بقائه في الذاكرة.

التحليل الإيقاعي

اللإيقاع يعد عنصرًا جوهريًا في بناء القصيدة الشعرية. من دون الإيقاع الموسيقي، تفقد القصيدة طبيعتها الشعرية. يتميز الشعر كونه كلام موزون، حيث تمتاز هذه القصيدة بأنها كتبت على البحر البسيط بتفعيلات: مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن، ملتزمةً بأوزان الشعر العربي التقليدية.

ومن الجدير بالذكر أن الإيقاع لا يقتصر فقط على الوزن الشعري، بل يشمل أيضًا بنية الكلمات. فعندما تُستخدم كلمات تحتوي على حروف متكررة، تتحقق إيقاعات موسيقية داخلية. تتناول القصيدة موضوعًا حزينًا، مما يتطلب أصواتًا هادئة تتميز بالهمس. يظهر ذلك في تكرار حرف السين في المقطع الأول للدلالة على الهمس، كما يتبين في الأبيات التالية:

خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ

:::أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت

:::إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

Scroll to Top