يعتبر مفهوم الأمانة في القرآن الكريم والسنة النبوية واحدًا من المواضيع الهامة التي تحظى باهتمام العديد من الباحثين على شبكات الإنترنت، حيث يسعون للحصول على الأدلة الشرعية التي تثبت أهمية هذا الخلق في كتاب الله وسنة نبيه الكريم.
سنقوم في هذا المقال باستعراض مفهوم الأمانة كما ورد في القرآن والسنة.
خلق الأمانة في الشريعة الإسلامية
- تعد الأخلاق الفاضلة من أبرز الصفات التي ينبغي على المؤمنين التحلي بها، حيث تسهم هذه الأخلاق في رفع شأن المسلم وتعزيز مكانة المجتمع بأسره.
- تعمل الأمانة كأحد الأخلاق النبيلة على نشر الحب والتفاهم بين أفراد المجتمع رغم تفاوت مستوياتهم الاجتماعية.
- لأن الأخلاق تعكس حضارة الأمة وتساهم في تطويرها، فإن الأمانة تُعتبر من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون.
- الأمانة تعني حماية حقوق الأفراد وضمان سلامتها، مثل الحفاظ على الأموال والخصوصيات.
- من خلال الأمانة، يتحقق الصلاح بين الأفراد في الحياة الدنيا والآخرة، وهذه القيمة مشتركة بين جميع الأديان التي تدعو إلى الأمانة دون تمييز.
- الأمانة لا تقتصر فقط على حفظ الأموال، بل تشمل أيضًا مختلف جوانب الحياة، حيث يشعر الفرد بضرورة تحمل مسؤوليته، ويعلم أنه سيساءل أمام الله سبحانه وتعالى.
- من خلال هذا الخلق الحميد الذي تتبناه الشريعة الإسلامية، يتحقق السلام والاطمئنان بين جميع الأفراد، مما يساعد على التخلص من الأنانية وحب الذات.
الأمانة في القرآن والسنة النبوية
تُعتبر الأمانة من الصفات الجوهرية التي حث عليها الدين الإسلامي عبر القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن الأدلة التي تؤكد حرص الدين على هذه القيمة ما يلي:
خلق الأمانة في القرآن الكريم
- تظهر الأهمية الكبيرة للأمانة في قوله تعالى: (نَّ اللَّهَ يَأْمركمْ أَنْ تؤَدّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكموا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظكمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)، مما يشير إلى واجب تأدية الأمانات.
- وفي قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَان إِنَّه كَانَ ظَلومًا جَهولاً)، نجد تأكيدًا على عظمة الأمانة و وزنها الثقيل.
- تعد الأمانة بمثابة حماية للمصالح الفردية ولها تأثير كبير على النجاح في الحياة الدنيوية والأخروية.
- إذا لم يتم حفظ الأمانة، فإن الإنسان يظلم الآخرين في الدنيا والآخرة، حيث تشمل الأمانة الجوانب المادية والمعنوية.
- وقد وعد الله المؤمنين الذين يلتزمون بالأمانة بالثواب في الدنيا والآخرة، كما يتضح في قوله تعالى:
- (وَالَّذِينَ همْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ*وَالَّذِينَ همْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أولَـئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ).
- يظهر من هنا أن الأمانة تتجاوز مجرد حيازة الممتلكات، بل تضم أيضًا الالتزام بالعمل وتأديته كما ينبغي.
- ولا ننسى قوله تعالى في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَان إِنَّه كَانَ ظَلومًا جَهولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالشُّرَكَاتِ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
خلق الأمانة في السنة النبوية
- تعتبر الأمانة سمة من أبرز الصفات التي حظي بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاصةً بين قومه والمشركين.
- قبل نزول الوحي، كان المشركون يودعون عنده الأمانات لثقتهم الكبيرة في أمانته.
- لكنهم بعد الوحي، صاروا ينكرون أمانته بغرض التقليل من شأن رسالته.
- توجد العديد من الأحاديث الشريفة التي تدعو المسلمين إلى التمسك بهذه القيمة وشرح جوانبها.
- من الأحاديث النبوية المشهورة التي تنبه للأمانة ما قاله البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا ضيِّعَتِ الأمانَة، فانْتَظِرِ السَّاعَةَ).
- وكذلك، ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (آيَة المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا أؤتُمِنَ خانَ).
- هذا الحديث يبرز أهمية الأمانة كأحد أبرز علامات النفاق.
- يجب على المسلم أن تكون أفعاله قائمة على إخلاص النية لله تعالى، بعيدًا عن الرياء والكذب.
- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العامل على الصدقةِ بالحقِّ لوجهِ اللهِ، كالغازي في سبيلِ اللهِ حتى يرجعَ إلى أهلِه).
- وتعتبر الأمانة سببًا لشرف المرء كما ورد في قوله: (الخازن الأمين الذي يؤدي الأمانات إلى أصحابها من أشرف الناس).
- كما قال النبي: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم).
- ومن الأدعية المفضلة لدى النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة).
- وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: “بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكرها، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضيعت الأمانة فانْتظِرِ السَّاعةَ، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانْتظِرِ السَّاعةَ).
آيات الأمانة في القرآن
الأمانة في الودائع
تناول الله تعالى الأمانة في الودائع في بعض الآيات، ومن بينها:
- (وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
- (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
- (قالَ هَل آمَنُكُم عَلَيهِ إِلّا كَما أَمِنتُكُم عَلى أَخيهِ مِن قَبلُ فَاللَّـهُ خَيرٌ حافِظًا وَهُوَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ).
الأمانة في الفرائض والتكاليف
تطرق الله تعالى في القرآن الكريم إلى الأمانة في الفرائض والتكاليف في عدة آيات منها: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَخونُوا اللَّـهَ وَالرَّسولَ وَتَخُونوا أَماناتِكُم وَأَنتُم تَعلَمونَ* وَاعلَموا أَنَّما أَموالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللَّـهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظيمٌ).
الأمانة في الأعراض والعفّة
وتحدث الله تعالى أيضًا في القرآن الكريم عن الأمانة في الأعراض والعفّة، ومن الآيات الموجزة حول ذلك: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ).